فإنّها أعظم من الأرضين وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : يغفر الله ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي. قال بهلول : فإنها أعظم من ذلك.
فنظر النبي صلىاللهعليهوآله إليه كهيئة الغضبان ثم قال : ويحك يا شاب! ذنوبك أعظم من ربك؟ فخرّ بهلول على وجهه وهو يقول : سبحان ربّي ما من شيء أعظم من ربّي ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : فهل يغفر الذنب العظيم إلّا الربّ العظيم؟! ويحك! ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟
قال بهلول : بلى! أخبرك ، إنّي كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات وأنزع أكفانهم ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلما حملوها إلى قبرها ودفنوها وانصرف عنها أهلها وجنّ الليل أتيت قبرها فنبشته واستخرجتها ، ونزعت ما كان عليها من أكفان وتركتها مجرّدة على شفير قبرها وانصرفت.
فأتاني الشيطان وقال لي : أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يذكر مفاتنها حتى أغراني ، فرجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها ، ثم تركتها في مكانها ، فإذا أنا بصوت من خلفي يقول : يا شاب! الويل لك ، كنت مستورة ففضحتني ، وكنت طاهرة فنجّستني ، فضحك الله في الملإ الأعلى كما فضحتني في الملإ الأسفل ، وخصمك الديّان يوم القيامة.
ثم استطرد بهلول قائلا : يا نبي الله فما أظن أنّي أشم رائحة الجنة أبدا ، فما ترى يا رسول الله؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : تنح عني يا فاسق ، إنّي أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار.
وبعد تلك المحاورة انصرف عن النبي صلىاللهعليهوآله يائسا ، وقصد بعض جبال المدينة واستقرّ فيها بعد أن غلّ يديه إلى عنقه ، وكان يقضي أوقاته بالبكاء والعويل وينادي : يا رب! هذا عبدك بهلول بين يديك ، يعلن ندمه وتوبته واستغفاره.
ولم يزل يبكي ويتضرّع إلى الله سبحانه أربعين ليلة ، فنزلت الآية المذكورة على