سواه ، فكانت تسبّح الله وتعبده ليلها ونهارها ، وإذا جاءت نوبتها تقوم بخدمة البيت وسدانته.
في المدّة التي قام زكريّا برعايتها ظهرت منها معاجز وكرامات ، كتواجد فاكهة الشتاء في فصل الصيف ، وفاكهة الصيف في فصل الشتاء ، فكان زكريّا يسألها عن ذلك ، فكانت تجيبه بأنّه من عند ربّها الذي يرزق من يشاء بغير حساب.
كان الله سبحانه وتعالى يوحي إليها عن طريق الملائكة بأنّه قد اصطفاها ، وطهّرها من الأرجاس والأدناس والخبائث ، وكان عزّ اسمه يشجّعها ويحثّها على عبادته وطاعته والقنوت له.
نشأت عليهاالسلام في جو يسوده الطهر والعفاف ، بعيدا عن كلّ دنس وموبق ، واستمرّت على ذلك طوال حياتها.
ولمّا بلغت مبلغ النساء وصار عمرها ١٣ سنة ، وقيل : ٢٠ سنة ، وفي أحد الأيّام وهي مشغولة في عبادة ربّها ، مطمئنة بحراستها من قبل الله عزوجل ، وإذا بجبريل عليهالسلام يدخل عليها على هيئة فتى ، فرهبت منه ، وأخذها الخوف والرعب من دخوله عليها ، وظنّت بأنّه يريد بها سوءا وقبحا ، فاستعاذت بالله منه ، فأخبرها بأنّه رسول ربّها إليها ليهب لها غلاما ، فعجبت من قوله حيث لم يمسّها أحد في الرجال ، فذكّرها بقدرة الله وعظمته وإرادته في كلّ الأمور ، فنفخ في جيب ثوبها فحملت من ساعتها ، ثمّ أخبرها جبريل عليهالسلام بأنّ الذي في بطنها ذكر ويسمّى المسيح عيسى عليهالسلام ، وسوف يكون نبيّا مقرّبا من السماء ، ووجيها في الدنيا والآخرة ، وستكون له معاجز وآيات ، وسببا لخلاص أمّة بأكملها من مستنقعات الرذيلة والشرّ والضلال ، والرفعة بهم إلى سلالم الخير والفضيلة.
استمرّت في حملها سبعة أشهر ، وقيل : ستّة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وقيل : كانت مدّة حملها ساعة واحدة ، وقيل : تسع ساعات ، وبعد مضي تلك المدّة التي طالت أو قصرت ولدت عيسى عليهالسلام بمدينة بيت لحم في فلسطين ، فلمّا ولدته خافت من لوم اللائمين من قومها ، واتّهامها بالفاحشة ، فجاءها النداء من السماء أن لا تحزني