قبل الميلاد ، فخافت عليه أمّه ، فسترته وخبّأته عن عيون وجلاوزة الملك ، وبعد أن بقي عندها ثلاثة أشهر علّمها الله سبحانه صنع صندوق ، وتطليه بالزفت والقطران ـ والقطران مادّة سيّالة دهنيّة تستخرج من أشجار الصنوبر والأرز ـ وتلقيه في نهر النيل ، فأطاعت أمر السماء وأمرت أخته مريم بأن تتابعه وتعرف أثره ، فاستمرّت مريم في اقتفاء أثره حتّى تأكّدت من التقاطه من الماء وإدخاله إلى دار فرعون مصر.
لمّا جيء به إلى البلاط الفرعونيّ وبصرت به ولأوّل مرّة زوجة فرعون ـ وكانت تدعى آسية بنت مزاحم بن عبيد ، وكانت مؤمنة موحّدة ومن بني إسرائيل ، ـ ألقى الله عزوجل محبّة موسى عليهالسلام الطفل في قلبها ، وقرّرت إبقاءه عندها ؛ لتتّخذه وزوجها ولدا لهما ، وقيل : إنّ التي التقطته من الماء هي «دربتة» ابنة فرعون. دخل الرضيع دار فرعون فأحاطوه بالرعاية الخاصّة والعناية الفائقة ، ولكنّه كان يرفض كلّ ثدي يريد إرضاعه ، فاقترحت أخته مريم على آسية أن يستدعوا له مرضعة من بني إسرائيل لتقوم بإرضاعه وإنجاز مهامّه ، فقبلت آسية بذلك الاقتراح ، فانتهزت مريم تلك الفرصة وجاءت بأمّه ـ والبلاط لا يعلم بحقيقتها ـ لتلك المهمّة ، فأقبل موسى عليهالسلام على ثديها ، ففرحوا بذلك ، ودفعوه إليها لتتولّى إرضاعه وتدبير شئونه في بيتها.
ولم يزل موسى عليهالسلام عند أمه حتّى فطمته من الرضاع ، فأعادته إلى القصر الفرعونيّ ليتولّى الكهنة ورجال الدين تربيته بحسب تقاليدهم وعاداتهم كما كانوا يربّون أبناء ملوكهم.
أخذ موسى عليهالسلام يشبّ ويترعرع في البلاط الفرعونيّ وهو يتأهّل يوما بعد يوم بالقوّة الوافرة والبأس الشديد ، ويتبحّر في العلوم والمعارف ، ويزداد بمرور الأيّام إيمانه بالله سبحانه وتعالى ، ونصرته لقومه الذين أصابهم صنوف الظلم والاضطهاد في مصر ، ممّا أدّى إلى تعقّبه من قبل حكّام وقته ليقتلوه ، فهرب إلى مدين ، وقيل : مديان ـ وهي بلاد تقع شمال خليج العقبة من جهة ، وشمال الحجاز وجنوب فلسطين من جهة أخرى ـ وهي منسوبة إلى مدين بن إبراهيم الخليل عليهالسلام.
وبعد ثمان ليال من الجدّ في السير والجوع والعطش وصعوبات الطريق وصل إلى