مخالفة أمره ، وتوبيخه على مجرد مخالفته ؛ كما في قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ.)
______________________________________________________
أن يقال : «لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب لانسباقه ، ولصحة الاحتجاج على العبد ...» إلخ. ويحتمل أن يكون عطفا على قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ) فيكون كغيره من المؤيّدات.
وكيف كان ؛ فتقريب الاستدلال به هو : أن صحة مؤاخذة العبد ، وتوبيخه على مجرد مخالفة أمر المولى دليل على كون الأمر حقيقة في الوجوب ، إذ لا يتوجه الذم والمؤاخذة إلّا على ترك الواجب ، ولذا توجه الذّم والتوبيخ على إبليس بسبب تركه لما أمر به من السجود لآدم ؛ حينما قال «تعالى شأنه» للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(١) ، فلو لم يكن الأمر للوجوب لما توجه الذم على إبليس بمجرد مخالفة الأمر ، ولصح منه الاحتجاج على الباري «جل وعلا».
وبعبارة أخرى : أنه تعالى رتّب الذّم على مجرد مخالفة الأمر ولو كان الأمر أعم من الوجوب لم يكن الذم مرتبا عليه ، لأن ما يترتب على الخاص لا يصح ترتبه على العام إلّا مجازا.
تنبيه : ينبغي بيان أمرين :
الأول : أن كلمة «لا» في الآية أعني : (أَلَّا تَسْجُدَ) زائدة ليس لها معنى ؛ لأن توبيخ إبليس كان على ترك السجود لآدم «عليهالسلام» ؛ لا على فعل السجود.
الثاني : أن الآية المباركة أجنبية عن ما نحن فيه ؛ لأن محل النزاع هو مادة الأمر لا صيغته ، والحال أن المراد من «أمرتك» هو صيغة الأمر أعني : قوله تعالى : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) لا مادة أمرتك ، فلا يكون هذا دليلا على المدعى ؛ بل يكون دليلا لى كون صيغة الأمر للوجوب ، وهو مطلب آخر يأتي في بحث صيغة الأمر.
ولو سلم كون مادة الأمر للوجوب ؛ لكان مفادها استعمال مادة الأمر في الوجوب ، وقد عرفت غير مرة : أن الاستعمال لا يدل على وضع الأمر للوجوب ؛ لأنه أعم من الحقيقة ، فجعل الآية المباركة من المؤيّدات أولى من جعلها دليلا.
__________________
(١) الأعراف آية : ١١ ـ ١٢.