قلت : قد عرفت انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين ، وأنّ الآيات والأخبار راجعة إلى أحدهما.
الأوّل : إنّ العمل بالظنّ والتعبّد به من دون توقيف من الشارع تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة.
والثاني : إنّ فيه طرحا لأدلّة الاصول العمليّة واللفظيّة التي اعتبرها الشارع عند عدم العلم بخلافها ، وشيء من هذين الوجهين لا يوجب ردعهم عن العمل ، لكون حرمة العمل بالظن من أجلهما مركوزا في ذهن العقلاء ؛ لأنّ حرمة التشريع ثابت عندهم ، والاصول العملية واللفظيّة معتبرة عندهم ، مع عدم الدليل على الخلاف ، ومع ذلك نجد بناءهم على العمل بالخبر الموجب للاطمئنان.
والسرّ في ذلك عدم جريان الوجهين المذكورين بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر ، لانتفاء التشريع ، مع بنائهم على سلوكه في مقام الإطاعة والمعصية.
____________________________________
شَيْئاً)(١).
(والأخبار المتظافرة) الدالة على حرمة العمل بغير العلم.
(قلت : قد عرفت) في تأسيس الأصل في أول بحث الظن حيث قلنا : إنّ الأصل هو حرمة العمل بالظن (انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين ، وأنّ الآيات والأخبار راجعة إلى أحدهما ...) وهما حرمة العمل بالظن من جهة التشريع ، ومن جهة كون العمل به موجبا لطرح أدلة الاصول العملية واللفظية.
ومثال الأوّل : كما إذا أخبر الفاسق عن حرمة شرب التتن ، وكان مقتضى أدلة البراءة من الاصول العملية هو الإباحة ، كان الأخذ بخبر الفاسق محرّما من جهتين : من جهة التشريع ، ومن جهة كونه مستلزما لطرح دليل أصل البراءة.
ومثال الثاني : كما إذا أخبر الفاسق بكراهة شرب التتن مثلا ، وقد ورد في خبر متواتر حرمة شرب التتن ، كان العمل به محرّما من الوجهين : أي : التشريع ، وكونه موجبا لطرح أصل من الاصول اللفظية.
__________________
(١) يونس : ٣٦.