فكما أنّ مفاد قوله عليهالسلام : (كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) (١) يفيد الرخصة في الفعل غير المعلوم ورود النهي فيه ، فكذلك ما دلّ على حجّية الشهرة الدالّة مثلا على وجوب شيء ، يفيد وجوب ذلك الشيء من حيث إنّه مظنون مطلقا أو بهذه الأمارة.
ولذا اشتهر أنّ علم المجتهد بالحكم مستفاد من صغرى وجدانيّة ، وهي «هذا ما أدّى إليه ظنّي» ، وكبرى برهانيّة ، وهي : «كلّ ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي». فإنّ الحكم المعلوم منهما هو الحكم الظاهري ، فإذا كان مفاد الأصل ثبوت الإباحة للفعل غير المعلوم الحرمة ، ومفاد دليل تلك الأمارة ثبوت الحرمة للفعل المظنون الحرمة ، كانا متعارضين لا محالة. فإذا بني على العمل بتلك الأمارة ، كان فيه خروج عن عموم الأصل وتخصيص له لا محالة.
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ دليل تلك الأمارة وإن لم يكن كالدليل العلمي رافعا لموضوع الأصل ، إلّا أنّه نزّل شرعا منزلة الرافع ، فهو حاكم على الأصل لا مخصّص له ، كما سيتّضح
____________________________________
والدليل الدال على الحجّية ـ أيضا ـ لا يوجب العلم بالحرمة واقعا ، بل يوجب العلم بالحجّية المستلزمة للعلم بحرمة شرب التتن ظاهرا.
وبالجملة ، إنّ الأمارة لم تكن واردة على الأصل الشرعي ، بل هي مخصّصة له ، كما أشار إليه بقوله :
(فإذا بني على العمل بتلك الأمارة ، كان فيه خروج عن عموم الأصل وتخصيص له ...).
هذا تمام الكلام في المورد الثاني حيث يظهر من كلامه التفصيل المذكور.
وأمّا المورد الثالث ، فقد أشار إليه بقوله :
(ولكن التحقيق أنّ دليل تلك الأمارة ، وإن لم يكن كالدليل العلمي رافعا لموضوع الأصل ، إلّا أنّه نزّل شرعا منزلة الرافع ، فهو حاكم على الأصل).
وحاصل هذا الكلام منه قدسسره هو ـ أيضا ـ التفصيل بين الاصول العقلية والشرعية ، حيث تكون الأدلة الظنّية واردة على الاولى وهي الاصول العقلية ، وحاكمة على الثانية وهي
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٢٨٩ ، أبواب القنوت ، ب ١٩ ، ح ٣.