كذلك ألا ترى أن أهل الفرس لا يميلون ألفا ولا يفخّمون الراء ولا يشبعون حركة ولا يخرجون الغين المعجمة من مخرجها ، بل لو فعل ذلك أحد في لسانهم يضحكون منه ، ومع ذلك لا يخرج اللفظ بشيء منها ـ لو فعله أحد ـ عن الفارسية ، ولو أمر أحد بقراءة نظم أو نثر فارسي فقرأ بهذا النحو لا يقال : لم يمتثل ، وإن قيل : لم يقرأ باللهجة الفارسية.
وبالجملة : القدر الثابت شرعا ليس إلاّ وجوب أداء اللفظ المنزل من غير إخلال بحرف منه عرفا ، وأما وجوب أدائه على نحو أداء العرب وهيئته ولهجته وكيفيته فلا دليل عليه أصلا وأبدا ، بل لو قال العرب : هذا ليس بعربي أو غلط ، لم يضرّ ، كما يقول الفارسي لمن فخّم الراء أو أمال أو أخرج الغين من مخرجه في لفظ فارسي : إنه غلط وليس بفارسي ، فإن المراد نفي العربية في اللهجة والأداء والتغليظ فيه ، ولم يثبت وجوب الموافقة فيهما ، نعم لو ثبت الإجماع الشرعي على وجوب مراعاة واحد منهما لوجب ، ولكن الشك فيه ، ومع ذلك فالمحتاط لا يتركهما البتّة. وأمّا ما ورد في بعض الأخبار ـ من الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس (١) ، أو كما تعلّمتم (٢) ـ فلا يفيد العموم ، مع أنه إنما ورد في مقام السؤال عمّا وجد في مصاحف الأئمّة من بعض الآيات والكلمات الخالية عنها سائر المصاحف وأنهم لا يحسنون قراءة ذلك.
وأما سائر الأوصاف من الإمالة ، والإخفاء ، والغنّة ، والتفخيم ، والترقيق ، والاستعلاء ، والإطباق ، والمدّ المنفصل ، ونحوها فلا دليل على وجوب شيء منها ، ولم أعثر على مصرّح من الفقهاء بوجوبه وإن جعل نادر الاحتياط في مراعاته (٣).
وهل يستحب؟ لا دليل شرعيا عليه أيضا كما صرّح به الأردبيلي (٤) ، وغيره ،
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ فضل القرآن ب ١٤ ح ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٦٢ أبواب القراءة ب ٧٤ ح ١.
(٢) الكافي ٢ : ٦١٩ فضل القرآن ب ١٢ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ١٦٣ أبواب القراءة ب ٧٤ ح ٢.
(٣) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٩.
(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٢١٩.