مساءة من لا يكرمه ولا يعظمه ، كالعدو ، والحية ، والعقرب ، بل إذا خطر بالبال مساءته ، أوقعها من غير تردد ، فصار التردد لا يقع إلا في موضع التعظيم والاهتمام ، وعدمه لا يقع إلا في مورد الاحتقار وعدم المبالاة.
فحينئذ دل الحديث على تعظيم الله تعالى للمؤمن ، وشرف منزلته عنده عزوجل فعبر باللفظ المركب عما يلزمه ، وليس مذكورا في اللفظ ، وإنما هو بالإرادة والقصد ، فكان معنى الحديث : منزلة عبدي المؤمن عظيمة ، ومرتبته رفيعة. فدل على تصرف النية في ذلك كله.
وقد أجاب بعض من عاصرناه عن هذا الحديث : بأن التردد إنما هو في الأسباب ، بمعنى أن الله تعالى يظهر للمؤمن أسبابا يغلب ظنه على دنو الوفاة ليصير على استعداد تام للآخرة ، ثمَّ يظهر له أسبابا تبسط في أمله ، فيرجع إلى عمارة الدنيا (١) بما لا بدّ منه.
ولما كانت هذه بصورة التردد ، أطلق عليها ذلك استعارة ، [ و ] إذ كان العبد المتعلق بتلك الأسباب بصورة المتردد ، أسند التردد إليه تعالى ، من حيث أنه فاعل للتردد في العبد.
وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار كلام الله تعالى : إن التردد في اختلاف الأحوال ، لا في مقدر الآجال.
وقيل (٢) : إنه تعالى لا يزال يورد على المؤمن سبب الموت حالا بعد حال ، ليؤثر المؤمن الموت ، فيقبضه مريدا له وإيراد تلك الأحوال المراد بها غاياتها ، من غير تعجيل بالغايات ، من القادر على التعجيل ،
__________________
(١) في (ح) و (أ) : دنياه.
(٢) قاله الخطابي. انظر : البيهقي ـ كتاب الأسماء والصفات : ٤٩٥.