يوصف بالإيمان إلّا الغائب ، فعلم أنّ إيمانهم كإيمان أهل الأرض والكلّ سواء ، في أنّ إيمانهم بطريق النظر والاستدلال.
واستحسن هذا الكلام الامام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير حتّى ترحّم عليه ، وقال : «لو لم يكن في كتابه إلّا هذه النكتة لكفى به فخرا وشرفا».
وأنا أقول : لا نسلّم أنّ الإيمان لا يكون إلّا بالغائب ، وإلّا لم يكن الإيمان بالنبيّ وقت تحدّيه وبالقرآن. وإن شئت فتأمّل قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (١). فلو لم يكن إيمان بالشهادة لم يكن لقوله : «بالغيب» فائدة. على أنّه يحتمل أن يشاهد الربّ وينكر كونه ربّا وإلها. ويمكن أن يكون محمول الشيء محجوبا عن ذلك الشيء. فمن أين يلزم تكذيب المجسّمة؟
وزعم الإمام فخر الدين أنّ في الآية دلالة اخرى على إبطال قول أهل التجسيم أنّ الإله على العرش ، فإنّه لو كان كما زعموا ـ وحامل الشيء حامل لكلّ ما على ذلك الشيء ـ لزم أن يكون الملائكة حاملين لإله العالم حافظين له ، والحافظ أولى بالإلهيّة من المحفوظ.
قلت : لا شكّ أنّ هذه مغالطة ، جاز الحمل لأجل العظمة وإظهار الكبرياء على ما يزعم الخصم ، كيف يلزم منه ذلك؟! وهل يزعم عاقل أنّ الحمار أشرف من الإنسان الراكب عليه من جهة الركوب عليه» (٢).
انتهى كلامه المصرّح بتخطئتهما. والحقّ أنّهما زلقا وعثرا ، سيّما الرازي ، فإنّه خبط خبط عشواء ، وركب متن عمياء ، وإن ذيّل النيشابوري كلامه بقوله : «وإنّما ذكرت ما ذكرت لكونه واردا على كلام الإمامين ، مع وفور فضلهما وبعد غورهما ، لا لأنّي مائل في المسألة إلى غير معتقدهما».
__________________
(١) البقرة : ٣.
(٢) غرائب القرآن للنيسابوري ٦ : ٢٣.