يغلظون على من خالف دينهم ، ويتراحمون فيما بينهم ، كقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (١).
وعن الحسن : بلغ من تشدّدهم على الكفّار أنّهم كانوا يتحرّزون من ثياب المشركين أن تلزق بثيابهم ، ومن أبدانهم أن تمسّ أبدانهم. وبلغ من تراحمهم فيما بينهم أنّه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلّا صافحه وعانقه. ومن حقّ المؤمنين في كلّ زمان أن يراعوا هذا التشدّد وهذا التعطّف ، فيتشدّدوا على من ليس على ملّتهم ودينهم ويتحاموه ، ويعاشروا إخوتهم في الإيمان ، متعطّفين بالبرّ والصلة ، وكفّ الأذى ، والمعونة ، والأخلاق الكريمة.
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) لأنّهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) يلتمسون بذلك زيادة نعمة من الله ، ويطلبون مرضاته (سِيماهُمْ) علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يريد السمة الّتي تحدث في جبهة السجّاد من كثرة السجود. فعلى ، من : سامه إذا أعلمه. و (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) بيانها. أو حال من المستكن في الجارّ. وكان عليّ بن الحسين يقال له : ذو الثفنات ، لأنّ كثرة سجوده أحدثت في مواقعه منه أشباه ثفنات (٢) البعير.
وقيل : السيماء هو صفرة الوجه من خشية الله.
وعن الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى.
وعن سعيد بن المسيّب : ندى الطهور ، وتراب الأرض.
وعن عكرمة وسعيد بن جبير وأبي العالية : هو التراب على الجباه ، لأنّهم يسجدون على التراب لا على الأثواب.
__________________
(١) المائدة : ٥٤.
(٢) ثفنات جمع ثفنة. وهي من البعير : ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ وغلظ ، كالركبتين.