الجزاء نكرة مبهما أمره ، ناظرة (١) في الدلالة على غاية الإحماد والاعتداد والارتضاء لما فعل الّذين وقّروا رسول الله من خفض أصواتهم ، وفي الإعلام بمبلغ عزّة رسول الله وقدر شرف منزلته. وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم ، واستيجابهم ضدّ ما استوجب هؤلاء.
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) وهم الجفاة من بني تميم وأجلافهم (مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) من خارجها ، خلفها أو قدّامها ، فإنّ الوراء الجهة الّتي يواريها عنك الشخص بظلّه من خلف أو قدّام. و «من» ابتدائيّة ، فإنّ المناداة من جهة الوراء. وفائدتها الدلالة على أنّ المنادى داخل الحجرة ، إذ لا بدّ وأن يختلف المبتدأ والمنتهى.
والحجرات جمع حجرة. وهي القطعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها. ولذلك يقال لحظيرة الإبل : حجرة. وهي فعلة بمعنى مفعول ، كالغرفة والقبضة. والمراد حجرات نساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت لكلّ منهنّ حجرة. ومناداتهم من ورائها بأنّهم أتوها حجرة فنادوه من ورائها. أو بأنّهم تفرّقوا على الحجرات متطلّبين له ، فأسند فعل الأبعاض إلى الكلّ.
وقيل : إنّ الّذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، وفدا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد ، فقالا : يا محمّد اخرج إلينا. وإنّما أسند إلى جميعهم ، لأنّهم رضوا بذلك ، أو أمروا به ، أو لأنّه وجد فيما بينهم.
(أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة ، سيّما لمن كان بهذا المنصب. والإخبار عن أكثرهم بأنّهم لا يعقلون يحتمل أن يكون فيهم
__________________
(١) خبر «أنّ هذه الآية ...» في بداية الفقرة.