من قصد المحاشاة (١) المفهومة من قوله : «وأكثرهم». وأن يكون الحكم بقلّة العقلاء فيهم قصدا إلى نفي أن يكون فيهم من يعقل ، فإنّ القلّة تقع موقع النفي في كلامهم.
وورود الآية على النمط الّذي وردت عليه فيه ما لا يخفى على الناظر ، من بيّنات إكبار محلّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإجلاله.
منها : مجيئها على النظم المسجّل على الصائحين به بالسفه والجهل لما أقدموا عليه.
ومنها : لفظ الحجرات ، وإيقاعها كناية عن موضع خلوته ومقيله (٢) مع بعض نسائه.
ومنها : المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الّذي تبيّن به ما استنكر عليهم. يعني : لم يصف الحجرات بأنّها موضع خلوة ومقيل ، بل اقتصر على الحجرات.
ومنها : التعريف باللام دون الإضافة.
ومنها : أن شفع ذمّهم في خاتمة الآية باستجفائهم ، واستركاك عقولهم ، وقلّة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات ، تهوينا للخطب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتسلية له ، وإماطة لما تداخله من إيحاش سوء أدبهم.
وهلمّ جرّا من أوّل السورة إلى آخر هذه الآية. فتأمّل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور الّتي تنتمي إلى الله ورسوله متقدّمة على الأمور كلّها ، من غير حصر ولا تقييد. ثمّ أردف ذلك النهي عمّا هو من جنس التقديم ، من رفع الصوت والجهر ، كأنّ الأوّل بساط للثاني ووطاء لذكره. ثمّ ذكر ما هو ثناء على الّذين تحاموا ذلك فغضّوا أصواتهم ، دلالة على عظيم موقعه عند الله. ثمّ جيء على عقب ذلك بما هو
__________________
(١) أي : التنزّه والابتعاد عن سوء الأدب.
(٢) المقيل : موضع القيلولة ، أو النوم والاستراحة في الظهيرة.