والقرآن الكريم يفضح المنافقين لدى الكافرين أيضا ، ويبيّن كذبهم ونكولهم إذ يقول:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١).
جدير بالذكر أن القرآن استعمل عبارة (اسْتَوْقَدَ ناراً) أي إنهم استفادوا للإنارة من «النار» ذات الدخان والرّماد والحريق ، بينما يستنير المؤمنون بنور الإيمان الخالص وبضوئه الساطع.
باطن المنافقين ينطوي على النار ، وإن تظاهروا بنور الإيمان ، وإذا كان ثمة نور فهو ضعيف في قوته وقصير في مدته.
هذا النور الضعيف المؤقّت ، إمّا أن يكون إشارة إلى الضمير والفطرة التوحيدية ، أو إشارة إلى الإيمان الأوّلي لهؤلاء المنافقين حيث أسدلت عليه ستائر مظلمة على أثر التقليد الأعمى والتعصب المقيت واللجاج والعداء ، فتحولت ساحة حياتهم لا إلى ظلمة ، بل إلى «ظلمات» في التعبير القرآني.
وهؤلاء سيفقدون في النهاية قدرة الرؤية الصحيحة ، والاستماع الصحيح ، والنطق الصحيح ، وهذه نتيجة طبيعية ـ كما ذكرنا سابقا ـ للاستمرار على الانحراف والإصرار على الغيّ ، حيث يؤدي إلى إضعاف آليات الإدراك لدى الإنسان فيرى الحقائق مقلوبة ، فالخير في نظره شرّ ، والملك شيطان ، وهكذا.
على أي حال هذا التشبيه يوضّح واحدة من حقائق النفاق ، وهي إن عمر النفاق والتذبذب لا يدوم طويلا ، قد يستطيع المنافقون لمدة قصيرة أن يتمتعوا بمصونية الإسلام والإيمان ، وبصداقة الكفار سرا. لكن هذه الحالة مثل شعلة
__________________
(١) الحشر ، ١١ و ١٢.