كقوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (١).
مثل هذه الآيات كانت تنزل كالرعد والبرق على المنافقين ، وتتركهم في خوف وذعر وحيرة في المدينة ، وتضعهم أمام خطر الإبادة أو الإخراج من المدينة كلّ حين.
هذه الآيات ـ وإن كانت تتحدث عن المنافقين في عصر نزول الوحي ـ تمتد لتشمل كلّ المنافقين في التاريخ ، لإن خطّ النفاق يقف دوما بوجه الخط الثوري الصادق الصحيح. ونحن نرى بأعيننا اليوم مدى انطباق ما يقوله القرآن على منافقي عصرنا بدقّة. نرى حيرتهم وخوفه واضطرابهم ، ونرى تعاستهم وبؤسهم وانفضاحهم تماما مثل تلك المجموعة المسافرة الهائمة في صحراء مقفرة وفي ليلة ظلماء موحشة.
أما بشأن الفرق بين المثالين فثمة تفسيران :
الأوّل : إنّ قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي) ... يصور حالة المنافقين الذين انخرطوا في صفوف المؤمنين عن اعتقاد حقيقي ، ثم تزعزعوا واتّجهوا نحو النفاق. أما قوله:(صَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) ... فيمثل حالة المنافقين الذين كانوا منذ البداية في صف النفاق، ولم يؤمنوا بالله قط.
الثّاني : أن المثال الأول يتحدث عن حالة الأفراد ، ولذلك يقول : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) والثاني يجسّد وضع الأجواء المخيفة المرعبة الخطرة التي تحدق بهؤلاء المنافقين ، ومن هنا جاء التشبيه بالجوّ المظلم الممطر المليء بالخوف والذعر والاضطراب.
* * *
__________________
(١) الأحزاب ، ٦٠ ـ ٦١.