يتجه إلى كل ارتفاع على الأرض. لكن الأرض التي يسير عليها هؤلاء خالية من أي ارتفاع سوى مرتفع أجسامهم ، ومن هنا فخطر الصاعقة يهددهم كل آن بتحويلهم إلى رماد!
(أهمية هذا المثال تتضح لدى أهل الحجاز ـ حيث الصحارى المنبسطة ـ أكثر من وضوحها لدى أهالي المناطق الجبلية).
نعم ، هؤلاء حيارى مضطربون ، لا يجدون طريقا يسلكونه ، ولا دليلا يهتدون به ، خطر صوت الرعد يهدّد أسماعهم ، ونور البرق يكاد يذهب بأبصارهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
المنافقون مثل هؤلاء المسافرين ، يعيشون بين المؤمنين المتزايدين المتدفقين كالسيل الهادر وكالمطر الغزير ، لكنهم لم يتخذوا لهم ملجأ آمنا يقيهم من شر صاعقة العقاب الإلهي.
نهوض المسلمين بواجبهم الجهادي المسلح بوجه أعداء الإسلام ، يشكل صواعق وحمما تنزل على رؤوس المنافقين. وتسنح أحيانا لهؤلاء المنافقين فرصة للهداية واليقظة ، لكن هذه الفرصة لا تلبث طويلا ، إذ تمرّ كما يمرّ نور البرق ، ويعود الظلام يطبق عليهم ، ويعودون إلى ضلالهم وحيرتهم.
انتشار الإسلام بسرعة كالبرق الخاطف قد أذهلهم. وآيات القرآن التي تفضح أسرارهم صعقتهم ، وفي كل لحظة يحتملون أن تنزل آية تكشف عن مكائدهم ونواياهم. وهذا ما تعبّر عنه الآية الكريمة : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ، قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) (١).
والمنافقون خائفون أيضا أن يأذن الله بمحاربتهم ، وأن يحثّ القوة الإسلامية المتصاعدة على مجابهتهم ، لأنهم كانوا يواجهون مثل هذه التهديدات القرآنية ،
__________________
(١) التوبة ، ٦٤.