ممّا تقدم ابتدأت سورة الحمد بعبارة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
ولفهم عمق هذه العبارة وعظمتها يلزمنا توضيح الفرق بين «الحمد» و «المدح» و «الشكر» والنتائج المترتبة على ذلك :
١ ـ «الحمد» في اللغة : الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار ، أي حينما يؤدي شخص عملا طيّبا عن وعي ، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإنّنا نحمده ونثني عليه.
و «المدح» هو الثناء بشكل عام ، سواء كان لأمر اختياري أو غير اختياري،كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة. ومفهوم المدح عام ، بينما مفهوم الحمد خاص.
أمّا مفهوم «الشكر» فأخصّ من الاثنين ، ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن إختيار (١).
ولو علمنا أنّ الألف واللام في (الحمد) هي لاستغراق الجنس ، لعلمنا أنّ كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه.
ثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه تعالى ، لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر ، والمعلمين في تعليمهم ، والكرماء في بذلهم وعطائهم ، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهم للمصابين ، إنّما هي في الأصل من ذاته المقدسة. وبعبارة اخرى : حمد هؤلاء هو حمد لله ، والثناء عليهم ثناء على الله تعالى.
وهكذا الشمس حين تغدق علينا بأشعتها ، والسحب بأمطارها ، والأرض ببركاتها، كلّ ذلك منه سبحانه ، ولذلك فكلّ الحمد له.
وبكلمة أخرى : جملة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إشارة إلى توحيد الذات ، والصفات، والأفعال (تأمّل بدقة).
__________________
(١) «الشكر» ، من وجهة نظر اخرى أوسع إطارا ، لأنّ الشكر يؤدي بالقول أحيانا وبالعمل اخرى. أمّا الحمد والمدح فبالقول غالبا.