نحو الشرق واليهود نحو الغرب ، وقرر الله الكعبة قبلة للمسلمين ، وكانت في اتجاه الجنوب وسطا بين الاتجاهين.
ومرّ بنا الحديث عن الضّجة التي أثيرت بين اعداء الإسلام والمسلمين الجدد بشأن تغيير القبلة.
الآية أعلاه تخاطب هؤلاء وتقول : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ).
«البر» في الأصل التوسّع ، ثم أطلق على أنواع الإحسان ، لأن الإنسان بالإحسان يخرج من إطار ذاته ليتسع ويصل عطاؤه إلى الآخرين.
و «البرّ» بفتح الباء ، فاعل البرّ ، وهي في الأصل الصحراء والمكان الفسيح ، وأطلقت على المحسن بنفس اللحاظ السابق.
ثمّ يبين القرآن أهم أصول البرّ والإحسان وهي ستة ، فيقول : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ).
هذا هو الأساس الأوّل : الإيمان بالمبدأ ، والمعاد ، والملائكة المأمورين من قبل الله ، والمنهج الإلهي ، والنبيّين الدعاة إلى هذا المنهج. والإيمان بهذه الأمور يضيء وجود الإنسان ، ويخلق فيه الدافع القوي للحركة على طريق البناء والأعمال الصالحة.
جدير بالذكر أن الآية تقول : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ) ... ولم تقل ولكن البرّ بفتح الباء، أو البار بصيغة اسم الفاعل. أي أن الآية استعملت المصدر بدل الوصف ، وهذا يفيد بيان أعلى درجات التأكيد في اللغة العربية. فحين يقول أحد : علي عليهالسلام هو العدل في عالم الإنسانية. فهو يقصد أنه عادل للغاية وأن العدالة قد ملأت وجوده بحيث أن من يراه فكأنما لا يرى سوى العدالة متجسدة. وحين يقول : بني أمية ذلّ الإسلام ، فيعني أن كل وجودهم ذلّ للإسلام.