ثم تذكر الآية الإنفاق بعد الإيمان ، وتقول : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ).
إنفاق المال ليس بالعمل اليسير على الجميع ، خاصة إذا بلغ الإنفاق درجة الإيثار، لأن حبّ المال موجود بدرجات متفاوتة في كل القلوب. وعبارة (عَلى حُبِّهِ) إشارة إلى هذه الحقيقة. هؤلاء يندفعون للإنفاق رغم هذا الحبّ للمال من أجل رضا الله سبحانه.
الآية عددت ستة أصناف من المحتاجين إلى المال : ذكرت بالدرجة الاولى ذوي القربى، ثم اليتامى والمساكين ، ثم أولئك الذين اعترتهم الحاجة مؤقتا كابن السبيل وهو المسافر المحتاج ، ثم تذكر الآية بعد ذلك السائلين إشارة إلى أنّ المحتاجين ليسوا جميعا أهل سؤال. فقد يكونون متعففين لا تبدو على سيمائهم الحاجة. لكنهم في الواقع محتاجون ، وعن هؤلاء قال القرآن في موضع آخر : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (١).
ثم تشير الاية إلى الرقيق الذين يتعطشون إلى الحرية والاستقلال بالرغم من عدم احتياجهم المادي وتأمين نفقتهم على عهدة مالكيهم.
والأصل الثالث من أصول البرّ : إقامة الصلاة : (وَأَقامَ الصَّلاةَ). والصلاة إن أدّاها الفرد بشروطها وحدودها ، وبإخلاص وخضوع ، تصده عن كل ذنب وتدفعه نحو كل سعادة وخير.
والأصل الرابع : أداء الزكاة والحقوق المالية الواجبة : (وَآتَى الزَّكاةَ).
فالآية سبق أن ذكرت الإنفاق المستحب ، وهنا تذكر الإنفاق الواجب. بعض النّاس يكثر من المستحبات في الإنفاق ويتساهل في الواجب ، وبعضهم يلتزم
__________________
(١) البقرة ، ٢٧٣.