والإسلام لم يشرع حكم القصاص للقاتل المجنون وأمثاله ، ولكن لا يمكن اعتبار المرض عذرا لكل قاتل ، إذ لا يخفي ما يجرّ إليه ذلك من فساد ، ومن تشجيع القتلة على ارتكاب جرائمهم.
ولو صح هذا الاستدلال بالنسبة للقاتل ، لصح أيضا بشأن جميع المعتدين على حقوق الآخرين. لأن الإنسان العاقل المعتدل لا يعتدي إطلاقا على الآخرين. وبذلك يجب حذف كل القوانين الجزائية ، ويجب إرسال المعتدين والمجرمين إلى مستشفيات الأمراض النّفسية بدل السجون.
أمّا ادعاء عدم إمكان قبول قانون القصاص اليوم بسبب تطور المجتمع ، وبسبب قدم هذا القانون ، فمردود أمام إحصائيات الجرائم الفظيعة الي ترتكب في عصرنا الراهن ، وأمام التجاوزات الوحشية التي تنتشر في بقاع مختلفة من عالمنا بسبب الحروب وغير الحروب.
ولو أتيح للبشرية أن تقيم مجتمعا إنسانيا متطورا تطورا حقيقيا ، فإن مثل هذا المجتمع يستطيع أن يلجأ إلى العفو بدل القصاص ، فقد أقرّ الإسلام ذلك ، ومن المؤكد أن المجتمع المتطور في آفاقه الإنسانية سيفضّل عفو القاتل. أمّا في مجتمعاتنا المعاصرة حيث ترتكب فيها أفظع الجرائم تحت عناوين مختلفة ، فإن إلغاء قانون القصاص لا يزيد في جرائم المجتمع إلّا اتساعا وضراوة.
وحول حفظ القتلة في السجون ، فإن هذه العملية لا تحقق هدف الإسلام من القصاص. فالقصاص ـ كما ذكرنا ـ يستهدف حفظ حياة المجتمع ، والحيلولة دون تكرار القتل والجريمة. السجون وأمثالها لا تستطيع أن تحقق هذا الهدف (خاصة السجون الحالية التي هي أفضل من أكثر بيوت المجرمين). ولا أدل على ذلك من ارتفاع إحصائيات جرائم القتل خلال فترة قصيرة ، في البلدان التي ألغت حكم الإعدام. ولو كانت أحكام السجن عرضة للتقلّص بسبب أحكام العفو ـ كما هو