قال سيبويه عقب قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ) (النساء : ١٥٥) : إن «ما» لغو ، لأنها لم تحدث شيئا.
والأولى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى ، فإنّ مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب ، لا من جهة المعنى ، فإن قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران : ١٥٩) معناه : «ما لنت لهم إلا رحمة» ؛ وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ، ثم اختصر على هذه الإرادة ، وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي «ما».
وكذا قوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (النساء : ١٧١) ف «إنّما» هاهنا حرف تحقيق وتمحيق ، إنّ هنا للتحقيق ، وما للتمحيق فاختصر ، والأصل : «ما الله اثنان فصاعدا ، وأنه إله واحد».
وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن ؛ فمنهم من أنكره ، قال الطرطوشي في «العمد» (١) : «زعم المبرّد (٢) وثعلب (٣) ألاّ صلة في القرآن ، والدّهماء من العلماء والفقهاء والمفسّرين على إثبات الصّلات في القرآن ، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا».
وقال ابن الخباز في «التوجيه» (٤) : «وعند ابن السراج (٥) أنه ليس في كلام العرب زائد ، لأنه تكلّم بغير فائدة ، وما جاء منه حمله على التوكيد».
ومنهم من جوّزه وجعل وجوده كالعدم ؛ وهو أفسد الطرق. ٣ / ٧٣
وقد ردّ على فخر الدين الرازي (٦) قوله : إنّ المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام
__________________
(١) تصحفت عبارة المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة). والتصويب من المخطوطة ، وهو محمد بن الوليد الطرطوشي تقدم التعريف به في ٢ / ١١٣ ، وبكتابه في ٢ / ٤١٢.
(٢) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس المبرد تقدم ذكره في ٢ / ٤٩٧.
(٣) هو أحمد بن يحيى بن يسار أبو العباس ثعلب تقدمت ترجمته في ١ / ٣٠٩.
(٤) ابن الخباز هو أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلي تقدم ذكره في ٣ / ١٤. وأما كتابه «التوجيه» فقد ذكره صاحب كشف الظنون ١ / ٥٠٤ باسم «التوجيه في النحو».
(٥) هو محمد بن السري تقدمت ترجمته في ٢ / ٤٣٨.
(٦) هو محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١١٦. وانظر قوله في التفسير ٩ / ٦٢ عند قوله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ...) الآية. بتصرف.