ومنه تقديم الظّلمة على النور في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) فإنّ الظلمات سابقة على النور في الإحساس ، وكذلك الظلمة المعنوية سابقة على النور المعنوي ؛ قال تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) (النحل : ٧٨) فانتفاء العلم ظلمة ، وهو متقدم بالزمان على نور الإدراكات.
٣ / ٢٤١ ومنه تقديم الليل على النهار : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) (الإسراء : ١٢) (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (سبأ : ١٨). (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (سبأ : ٣٣). (حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم : ١٧) ولذلك اختارت العرب التاريخ بالليالي دون الأيام ؛ وإن كانت الليالي مؤنثة والأيام مذكّرة ، وقاعدتهم تغليب المذكّر إلا في التاريخ.
فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) (يس : ٤٠).
قلت : استشكل الشيخ [أبو] (١) محمد بن عبد السلام (٢) في «قواعده» [ذلك] (٣) بالإجماع على سبق الليلة (٤) [٢٠٦ / ب] على اليوم. وأجاب بأن المعنى : تدرك القمر في سلطانه ، وهو الليل ، أي لا تجيء الشمس في أثناء الليل ، فقوله بعده : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس : ٤٠) ، أي لا يأتي [الليل] (٥) في بعض سلطان الشمس وهو النهار. وبين الجملتين مقابلة.
فإن قيل : قوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (الحديد : ٦) مشكل على هذا ؛ لأن الإيلاج إدخال الشيء في الشيء ، وهذا البحث ينافيه.
قلت : المشهور في معنى (٦) الآية أن الله يزيد في زمن الشتاء مقدارا من النهار ، ومن (٧) النهار في الصيف مقدارا من الليل ؛ وتقدير الكلام : يولج بعض مقدار الليل في النهار ، وبعض مقدار النهار في الليل. وعلى غير المشهور ، يجعل (٨) الليل في المكان الذي كان فيه
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) هو عز الدين ، ابن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢ ، وبكتابه في ٢ / ١٠٦.
(٣) ساقطة من المطبوعة.
(٤) في المخطوطة (الليل).
(٥) ساقطة من المطبوعة.
(٦) في المخطوطة (المعنى).
(٧) في المخطوطة (وفي).
(٨) في المخطوطة (بجعل).