النّهار ويجعل النهار في المكان الذي كان فيه الليل ، والتقدير : يولج الليل في مكان النهار ويولج النهار في مكان الليل.
ومنه تقديم المكان على الزمان في قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ ٣ / ٢٤٢ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) ، أي الليل والنهار ، وقوله : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ* وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء : ٣٢ ـ ٣٣).
وهذه مسألة مهمة قلّ من تعرّض لها ، أعني سبق المكان على الزمان ، وقد صرّح بها الإمام أبو جعفر الطبري في أول «تاريخه (١) ، واحتج على ذلك بحديث ابن عباس : إن الله خلق التربة يوم السبت ، وخلق الشمس والقمر ؛ وكان ذلك كلّه ولا ليل ولا نهار ؛ إذ كانا إنما هما أسماء لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر وإذا كان (٢) ذلك صحيحا وأنه لا شمس ولا قمر ، كان معلوما (٣) أنه لا ليل ولا نهار. قال : وحديث أبي هريرة ـ يعني في صحيح مسلم ـ صريح فيه ؛ فإن فيه : «وخلق [الله] (٤) النور يوم الأربعاء» (٥) ، قال : ويعني به الشمس إن شاء الله.
والحاصل أنّ تأخر خلق الأيام عن بعض الأشياء المذكورة في الخبر لازم.
فإن قلت : الحديث كالمصرّح بخلافه ؛ فإنه قال : خلق الله التربة يوم السبت ، حين خلق البرية وهي أول المخلوقات المذكورة ، فلا يمكن أن يكون خلق الأيام كلّها متأخرا عن ذلك.
قلت : قد نبّه الطبريّ على جواب ذلك بما حاصله : أن (٦) الله تعالى سمّى أسماء الأيام قبل خلق التربة ، وخلق الأيام كلّها ، ثم قدّر كل يوم مقدارا ، فخلق التربة في مقدار يوم
__________________
(١) انظر كتابه ١ / ٢٤ ، القول في هل كان الله عزوجل خلق قبل خلقه الزمان والليل والنهار ... مع تصرف بالنقل.
(٢) في المخطوطة (وكان) بدل (وإذا كان).
(٣) في المخطوطة (معلوم).
(٤) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(٥) تقدم تخريج الحديث في ٢ / ١٩٥. مع تعليقات هامة يستفاد منها.
(٦) في المخطوطة (إن شاء الله).