٣ / ٤٢٧ وقيل : لما كان جعل الفرع أصلا والأصل فرعا في التشبيه في حالة الإثبات يقتضي المبالغة في التشبيه ؛ كقولهم : القمر كوجه زيد ، والبحر ككفّيه ، كان جعل الأصل فرعا والفرع أصلا في كماله الذي يقتضي نفي المبالغة (١) [في المشابهة ؛ لا نفي المشابهة ، وذلك هو المقصود هنا ، لأن المشابهة واقعة بين الذكر والأنثى في أعمّ الأوصاف وأغلبها ، ولهذا يقاد أحدهما بالآخر.
ومنها قصد المبالغة] (١) ، فيقلب التشبيه ، ويجعل المشبه هو الأصل ويسمى تشبيه العكس ؛ لاشتماله على جعل المشبّه مشبّها به ، والمشبّه به مشبّها ؛ كقوله تعالى : (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ، كان الأصل أن يقولوا : إنما الربا مثل البيع ؛ لأنّ الكلام في الربا لا في البيع ، لكن عدلوا عن ذلك وتجرءوا ، إذ جعلوا الربا أصلا ملحقا به البيع في الجواز ، وأنه الخليق بالحلّ.
ويحتمل أن يكون المراد إلزام الإسلام ، فيحرّم البيع قياسا على الربا ، لاشتماله على الفضل طردا لأصلهم ؛ وهو في المعنى نقض على علة التحريم ؛ ويؤيده قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ، وفيه إشارة إلى أنّ الواجب اتباع أحكام الله واقتفاؤها من غير تعرّض لإجرائها على قانون واحد ، وأنّ الأسرار الإلهية كثيرا ما تخفى ؛ وهو أعلم بمصالح عباده فيسلّم له عنان الانقياد ؛ وأنهم جعلوا ذلك من باب إلزام (٢) الجدليّ ، وجاء (٢) الجواب بفكّ الملازمة ، وأن الحكمة فرقت بينهما. وفيه إبطال القياس في مقابلة النصّ.
٣ / ٤٢٨ ومنه قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) ؛ فإن الظاهر العكس ، لأن الخطاب لعبدة الأوثان ؛ وسمّوها آلهة ، تشبيها بالله سبحانه (٣) ، وقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق ، فخولف في خطابهم ؛ لأنهم بالغوا في عبادتهم وغلوا ، حتى صارت عندهم أصلا في العبادة ، والخالق سبحانه فرعا ، فجاء الإشكال على وفق ذلك.
والظاهر أنهم لما قاسوا غير الخالق [بالخالق] (٤) خوطبوا بأشد الإلزامين (٥) ؛ وهو تنقيص المقدّس لا تقديس الناقص.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) عبارة المخطوطة (التزام الجد في رجاء).
(٣) في المخطوطة (تعالى).
(٤) ليست في المطبوعة.
(٥) في المخطوطة (اللازمين).