وسواء علم بموجبه (١) في زمن حكمه أم قبله ، لعموم قوله تعالى : (الزّٰانِيَةُ وَالزّٰانِي فَاجْلِدُوا وَالسّٰارِقُ وَالسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) ، ولأن العلم أقوى دلالة من الظن المستند إلى البينة ، وإذا جاز الحكم مع الظن جاز مع العلم بطريق أولى ، وخالف في ذلك ابن الجنيد وقد سبقه الإجماع ولحقه ، مع ضعف متمسكه بأن حكمه بعلمه تزكية لنفسه (٢) ، وتعريض لها للتهمة ، وسوء الظن به (٣). فإن التزكية (٤) حاصلة بتولية الحكم ، والتهمة حاصلة في حكمه بالبينة والإقرار وإن اختلفت (٥) بالزيادة والنقصان. ومثل هذا لا يلتفت إليه(وكذا) يحكم بعلمه(في حقوق الناس) ، لعين ما ذكر ، وعدم الفارق(إلّا أنه بعد مطالبتهم) به كما في حكمه لهم بالبينة والإقرار(حدا (٦) كان) ما يعلم بسببه(أو تعزيرا) (٧) ، لاشتراك الجميع في المقتضي(ولو وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما) (٨) فيما بينه
______________________________________________________
ـ بالوصف فلا بد أن يعمل بالحكم المترتب عليه وإلّا لزم فسقه أو تعطيل الحد.
وقيل : لا يجوز إقامة الحد بعلم الحاكم وقد نسب هذا القول إلى ابن الجنيد للنبوي في قضية الملاعنة : (لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها) (١) ، ولأن الحكم بعلمه فيه تزكية لنفسه وهذا منهي عنه ، وموجب للتهمة في حقه ، وفيه : أما الرواية فهي من طرق العامة وأما التزكية والتهمة فجاريتان في الشهود مع أنه لا يضرهم ذلك فكذلك الحاكم ، بالإضافة إلى أنها أمور استحسانية لا تصلح مدركا للحكم الشرعي ، وذهب ابن إدريس إلى منع إقامة حدود الله بعلمه نعم يجوز في حقوق الناس ، وذلك لأن الحدود في حقوق الله مبنية على الرخصة والمسامحة ـ كما في المسالك ـ فلا يناسبها الحكم بعلمه ، وفيه إنه استحسان محض.
(١) موجب الحد وهو فعل الزاني أو السارق وهكذا.
(٢) بأنه صادق فيما علم.
(٣) فقد يتهم بأن حكمه من أجل عداوته له.
(٤) بيان ضعف دليل ابن الجنيد ، وكان يكفي في الرد أنها أمور استحسانية.
(٥) أي التهمة كما لو وقع الإقرار في خلوة ، ويتهم بأنه تهاون في تشخيص الشهادة.
(٦) كحد القذف.
(٧) كما لو أهان محصنة.
(٨) لو اطلع الإنسان على زوجته تزني ولم يكن من أهل استيفاء الحدود فمقتضى الأصل عدم ـ
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٠٧.