خطة التوحيد في مواجهة الشرك
كيف يتحرك الكافرون أو المشركون في موقف محاربة الرسل والرسالات؟ وكيف يدبّرون الخطط في مواجهة الحق؟ وما هو ردّ الفعل الذي يواجههم في ذلك كله؟ (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) أي أحكموا الخطة الدقيقة التي دبّروا فيها وسائل إسقاط الدور الرسالي في حياة الناس ، وعزل الرسول عن المجتمع ، وتشوية صورة الحق ، بطريقة خبيثة ، فإذا كانوا يدبرون ذلك فلن يمرّ الأمر من دون مواجهة حاسمة (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي محكمون للخطة الرسالية التي تدبّر الأساليب الناجحة التي تفتح قلوب الناس وعقولهم على الرسالة كما تخطط للصدام القوي العاقل المتزن الذي تخوضه مع القوى الكافرة من أجل إضعاف قوتها وإرباك خططها ومحاصرتها بالوسائل المضادّة الفاعلة .. وهكذا تريد الآية الإيحاء للمؤمنين بأن ساحة الصراع تفرض على العاملين فيها أن لا يضعفوا ولا ينهزموا أمام كيد الكافرين والمستكبرين ، وأن لا يسقطوا أمام التهاويل التي يثيرونها في وجوههم .. بل عليهم أن يحاربوا الخطة بخطة ، والكيد بالكيد ، والتهاويل المثيرة بتهاويل أشدّ إثارة .. لأن ذلك هو السبيل الذي يحفظ للساحة الإيمانية قوّتها وتوازنها ، ليكون ردّ التحدي في مستوى التحدي ، ولا سيّما إذا عاش المؤمن الشعور العميق بأن الله معه ، لأنه مع الله ، وأن الله يدبّر له أمره ، بقدر ما يدبّر أمر نفسه بإرادة الحق في نفسه ، وقوّة الإرادة في موقفه.
ثم ماذا يتصور هؤلاء عند ما يغلقون الأبواب والنوافذ على أنفسهم لئلا يراهم أحد ، أو لئلا يسمعهم سامع (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أفلا يتصورون أن الله يسمع وساوس الصدور ، وهمس الشفاه ، فهو الشاهد على كل نجوى مهما كانت خفية ، فكيف لا يسمع سرّهم ونجواهم (بَلى) فإن الله هو المحيط بالإنسان في سرّه وعلانيته (وَرُسُلُنا) الذين جعلناهم شهودا عليهم (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) كل ما يقولون ويعملون ، في ما أوكلنا إليهم من حفظ أعمال العباد ، الصغيرة والكبيرة.
* * *