وجودهم العقلي والشعوري (لَيَقُولُنَّ اللهُ) في جواب عفويّ حاسم لا يحمل أيّ مجال للتشكيك أو للاهتزاز ، لأنه تعبير صحيح عن معنى وجودهم الذي لا يحمل أيّ مضمون مستقلّ ، بل هو مفتقر إلى الارتباط بالله في عملية الخلق (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) فإلى أين يصرفون عن الحق ، الذي يفرض مضمونه على وجدانهم؟ وكيف يشركون بعبادته غيره؟ وكيف يستغرقون في الغفلة التي تبعدهم عن واقع الأمور.
* * *
(رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ)
(وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) هذا ما كان النبي يقوله ، لظهور الضمير في عودته إليه .. عند ما كان يقدّم تقريره إلى الله بعد العناء الطويل الذي بذله في سبيل هدايتهم إلى الحق ، وهو توحيد العقيدة والعبادة ، فلم يلتفتوا إليه ولم ينفتحوا عليه ، بل تمردوا وعاندوا ، فكيف يواجه الموقف ..؟ وكيف يتحمل هذه النتائج؟ وجاء جواب الله الحاسم يحدّد له التصرّف الرسالي الذي يجب أن يجسّده ، وهو الانفتاح على الأفق الواسع الذي لا يتعقد الرسول من الفشل إذا انفتح عليه ، وعاش فيه (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) ولا تحمل في قلبك حقدا عليهم ، بل دع قلبك مفتوحا على الأمل الكبير في رجوعهم إلى الحق (وَقُلْ سَلامٌ) فلتكن كلمة السلام التي جاءت رسالتك من أجل حمل مضمونها إلى العالم ، باعتبار أن الروح الإلهيّ يوحي للناس بالسلام من خلال رحمته التي سبقت غضبه عند ما تفيض على القلوب الظمأى ، والأرواح الحيرى ، والمشاعر المظلمة ، لتملأها بالريّ وتهديها إلى سواء السبيل ، وتشرق في داخلها بالنور الذي يطرد الظلام (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ويكتشفون النتائج السلبية لموقفهم ، وينفتحون على الله ليعرفوا أنه الحق ، وأن ما يدعون من دونه الباطل ، وأنه على كل شيء قدير.
* * *