(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ)
.. ويتابع القرآن أسلوبه التربوي التذكيري الذي يفتح قلوب الناس على الحق في خط المسؤولية ، وذلك باستعادة التاريخ الرسالي الذي تحرّك في ساحة الصراع بين الرسالة والتزامها الإيمان إنقاذا للمستضعفين في الأرض وبين خصومها وحركتهم الاستعلائية الساعية للمحافظة على امتيازات المستكبرين .. فيستعيد قصة مواجهة موسى لفرعون ، والانتقام الإلهيّ منه في نهاية المطاف ، انتصارا للرسول وأتباعه ، كي يوحي لمن يواجهون رسالة الإسلام بأن الله سوف ينصر رسوله في نهاية المطاف ، وينتقم منهم بطريقة وبأخرى.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) وامتحناهم بالقوّة والمال والسلطة التي حصلوا عليها في الملك الواسع الممتد الذي كانوا يتمتعون به ، ويسيطرون على الضعفاء من خلاله .. فلم ينجحوا في تحقيق التوازن الذي يريده الله من عباده ، والذي يستدعي حفظ حقوق الناس لديهم والعدل بينهم ومعهم ، والتواضع لله والإخلاص في العبودية له ، وإشاعة الخير بين الناس. وهكذا تمادوا في الاستكبار والتعسف والطغيان والظلم للمستضعفين حتى كانوا يقتلون أبناء المستضعفين ويستحيون نساءهم ، فأراد الله أن يقيم عليهم الحجة ، ويفتح عيونهم على خطورة ما يعيشون فيه ، والمصير الذي سينتهون إليه ، (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) ليطرح عليهم قضية الاستكبار على المستضعفين إنسانيا ، ليخرجهم من سلطتهم التي هي سلطة الظلم الذي لا مبرر له ، (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) وهم المستضعفون من بني إسرائيل الذين استعبدتموهم من دون حق ، فهم عباد الله ، وليسوا عباد الطغاة (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) فلن أخون الله في رسالته ، ولن أخون مسئولية الإخلاص لكم في موقف الحق ، فأنا الأمين على كل شيء يتصل بالله في ما عهد إليّ ، أو يرتبط بالناس في ما أوكل إلي أمره من هدايتهم إلى الحق.