(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) بالإعراض عن رسالته ، والتمرّد على أوامره ونواهيه ، وترك سبيله ، والاستكبار على عباده ، والتكذيب لرسله (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) وهو الحجة الواضحة أقدمها إليكم لتأكيد أني رسول الله إليكم ، مما لا تستطيعون إنكاره ، أو الاعتراض عليه بشيء.
(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) ولن أخاف منكم مهما حشدتم الجوّ بالتهاويل ، ومهما استعرضتم أمامي ما تملكون من قوّة .. فقد لذت بربي وربكم الذي يملك أمري وأمركم ، ويسيطر على مواقع القوة لديكم ، من أن ترجموني وتريدوا بي سوءا ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) وتستجيبوا لما أدعوكم إليه ، (فَاعْتَزِلُونِ) واجتنبوني ودعوني وشأني كي أنطلق إلى الناس وأدعوهم إلى الله وإلى اتباع رسالته ، ولا تتعرضوا لي بسوء ، كما أني لا أطلب منكم أيّ خير من ناحية الذات ، وسأنطلق إلى ساحة أخرى من ساحات الدعوة إلى الله .. ولكن القوم ازدادوا عنادا وازدادوا ضغطا عليه ، ولاحقوه وأصرّوا على اضطهاد قومه ، ومنعوه من تحريرهم ، وضيقوا عليه الخناق.
* * *
موسى ينقذ قومه بمعجزة إلهية
(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) فقد تأصلت الجريمة في كيانهم حتى لم يعد ينفع في هدايتهم أيّة وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب ، وأيّ حجة. وستتحرك الجريمة في حياة الناس ـ من خلالهم ـ لتمتد في المستقبل ولتحكم حياة الأجيال القادمة ، لأن هؤلاء سوف يمنعون امتداد الحق إلى الآخرين ، عند ما ينصبون الحواجز أمام الرسالة ، لأنهم يملكون كل مواقع القوّة ، في مراكز الحكم العليا ، وفي ساحات الواقع الشامل لكل نشاطات الحياة.