التشريعي في خط الإيمان الذي ترتكز عليه رسالة الإسلام (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) : قال في الكشاف : «فإن قلت : كان الكلام واقعا في الحياة الثانية لا في الموت ، فهلّا قيل: إن هي إلّا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين ، كما قيل (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ (١) بِمَبْعُوثِينَ) [الأنعام : ٢٩] ، وما معنى قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) وما معنى ذكر الأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى.
قلت : معناه ـ والله الموفق للصواب ـ أنه قيل لهم : إنكم تموتون موتة تعقبها حياة ، كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة ، وذلك قوله عزوجل : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [البقرة : ٢٨] فقالوا : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية ، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقّب الحياة إلا للموتة الأولى خاصة ، فلا فرق إذا بين هذا وبين قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) في المعنى» (١). وربما كان وصف الموتة بالأولى بلحاظ تضمنها معنى الوحدة في موقعها الطبيعي في عروضها على الحياة باعتبار عدم تقدّم موتة أخرى عليها ؛ والله العالم.
(وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) فليس هناك بعث بعد الموت ، بل هي موتة تمتد إلى ما لا نهاية ، حيث العدم المطلق الذي لا مجال بعده للوجود.
(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فهذا هو الشاهد على ما تقولون ، إن كان قولكم جديا ، لأن الحقيقة لا تثبت بالفرضيات الغيبية ، بل بالشواهد الحسية التي نراها بأعيننا ونلمسها بأيدينا ..
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فكيف يواجهون المسألة بهذا المنطق العابث الذي لا ينفذ إلى عمق الأمور ليكتشف الحقيقة من خلالها .. ومن أين جاءتهم هذه الثقة بأنفسهم ، ومن أين أتاهم هذا الأمن من الهلاك والعذاب ،
__________________
(١) الكشاف ، ج : ٣ ، ص : ٥٠٤ ـ ٥٠٥