وإذا كان الكون مرتكزا على قاعدة الحق في كل مفرداته ، فكيف يمكن أن يكون وجود الإنسان عبثا ، بحيث يوجد ويعدم من دون غاية في نتائج المسؤولية أمام الله ، كما يقول هؤلاء المنكرون للمعاد .. وبذلك نعرف أن الإيمان بالله في مضمون حكمته لا يلتقي بهذا الإنكار من قريب أو بعيد ، وأن دراسة عمق الحق في الكون ، تفرض تأكيد عمق الحق في خلق الإنسان.
* * *
لا مجال لإنكار يوم الفصل
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) الذي يفصل الله فيه بين الحق والباطل ، وبين المؤمنين والكافرين ، وبين الأنبياء وأممهم ، فتكون كلمته هي الفصل الحاسم الذي يقرّر الموقف ، والحكم في مسألة المصير ، فهو (مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) وموعدهم الذي يلتقون فيه جميعا ليواجهوا الموقف بين يدي الله ، ويبرز كل واحد منهم إليه بمفرده ليتحمل مسئوليته الذاتية وحده ، لأن العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط بين الناس ، في ما يتناصرون به ، أو يتعاونون فيه تنقطع آنذاك.
(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) فلا ولاية بين الناس ، فلا ينفع الصديق صديقه ، ولا الأب أولاده ، ولا الأولاد آباءهم وأمهاتهم ، ولا الحكام شعوبهم ، ولا الشعوب حكامها ، فقد تقطعت الصلات التي تربطهم فكل واحد منهم يفكر بنفسه ، ولا مجال له للتفكير بغيره ، لأنه لا يملك إنقاذ نفسه ، فكيف يملك أن ينقذ غيره (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لأنهم لا يملكون أسباب النصرة من القوّة المسيطرة على الموقف كله.
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) من أدركته المغفرة برحمة الله (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) فهو الذي يملك القوّة من موقع عزته ويفيض بالرحمة على عباده فيدخلهم في جنته ، ويمنحهم مغفرته ورضوانه.
* * *