تنوّع آيات الخلق
(حم) من الحروف المقطعة ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) الذي يفتح عقول عباده بحكمته عبر ما يحدده لهم من مواقع الفكر والحركة في خط حياتهم التي حمّلهم مسئولية إدارتها على ضوء مفاهيم شريعته وأحكامها ، ويمنحهم الثقة بقوّتهم في مواجهة التحديات والمصاعب والأخطار ، من خلال عزته التي تلتقي بالقوّة المطلقة التي لا يغلبها شيء ، ولا يدانيها شيء.
.. وهكذا يريد الله للإنسان أن يعي عظمة الكتاب من خلال التفكير بعظمة الله وقوته وعزته وحكمته ، حيث أنزله وحيا على رسوله (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) الذين يتأملون ويفكرون في كل ما يشاهدونه من ظواهر الكون في السماء والأرض على تنوع تلك الظواهر واختلافها من حيث الطبيعة والخصائص ، ساكنة كانت أم متحركة من النور والظلام ، والوجود الحيّ والنامي ، والجامد ، والجمال الساحر المتمثل في كل ذلك ، والإبداع الكامن في الأسرار الخفية للأشياء ، كما يطفو على السطح بأكثر من صورة .. وإذا كان التأمّل عميقا ، والفكر دقيقا ، فلا بد من أن يكون الإيمان هو النتيجة الطبيعية التي ينفتح لها العقل والروح والوجدان ..
(وَفِي خَلْقِكُمْ) هذا الخلق العجيب الذي تمتزج فيه المادة بالروح ، ويحركه العقل والعاطفة ، وتتناسق أجزاؤه وتتعدد خصائصه حتى كأنّ كل عضو فيه عالم فريد في علاقته بالأجهزة الأخرى ووظائفها وهو يبدع الفكر غير المادي من عناصر مادية ، ويحرّك الحياة من حوله ، ويجعل هذا المخلوق الصغير يقود الكون الكبير بطاقته العظيمة التي أودعها الله فيه.
(وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) من هذه المخلوقات العجيبة التي تدب على الأرض ، وتتنوع في خصائصها الداخلية والخارجية ، وفي أدوارها وأوضاعها ومواقع عيشها ، ففيها ما يعيش في أعماق الأرض ، وعلى سطوحها ، وما يطير في