الفضاء ، على اختلاف قوتها وضعفها ، الأمر الذي يجعل بعضها طعاما لبعضها الآخر ، وقسما منها مسخر لقسم آخر ، من دون أن يطغى نوع على نوع طغيانا مطلقا أو يبيد نوع نوعا آخر إبادة شاملة ، لوجود نوع من التوازن الدقيق الذي يضبط حركة القوّة والضعف ، مما يجعل الحياة تستمر لتتكامل هذه المخلوقات الحيّة في إغناء الحياة بما تحتاج إليه في كل أوضاعها الجزئية والكلية .. وهكذا ينفتح ، من خلال هذه الدوابّ المبثوثة في الأرض والسماء أفق واسع من المعرفة اليقينية لمن يحملون مسئولية الفكر ويريدون الأخذ بأسباب اليقين للتخلص من حالة الغفلة التي تمنع الإنسان من أن يفتح عقله على مفردات المعرفة ، والابتعاد عن حالة الشك التي تجعله يعيش الاهتزاز الحائر أمام الاحتمالات القلقة. فيجدون في وجودهم ، ووجود هذه المخلوقات الحية التي تعيش في عالمهم ، عمق التدبير ، وروعة الجمال ، وسرّ الحكمة ودقّة الصنعة ، وامتداد القدرة ، فإذا هي (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فيعيشون وضوح الرؤية ، وانفتاح القلب وصفاء الروح ، جراء اليقين بالله ، والبعد عن كل عوامل الشك.
* * *
آيات خلق السماء
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) المتأتي عن دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس مرّة في كل يوم ، فإذا بالليل والنهار ظاهرتان كونيتان تنظمان للإنسان حياته ، كما تحتفظان للحياة وللأحياء بالعناصر الضرورية لامتدادها في رحلة الوجود ..
(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) وهو الماء الذي ينزل من السماء (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) عند ما يجعلها صالحة لاحتضان البذور في عملية النموّ والانفتاح ، وربما استوحى البعض من هذا الرزق ، شموله للأشعة التي تنزل من السماء ، فهي ليست أقل أثرا في إحياء الأرض من الماء ذلك أن الماء ينشأ