بالحجة الرسالية التي يقدمها الأنبياء والدعاة إلى الله من بعدهم ، مما يعني أن المستكبرين المعاندين لا يملكون حجة على كفرهم.
(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) في ما يفرض عليه الموقف أن يسمعه ويستوعبه مما لا سبيل إلى إنكاره ، أو الوقوف منه موقف الغفلة أو اللّامبالاة ، (اتَّخَذَها هُزُواً) وواجهها بكل أساليب السخرية التي تبطل تأثيرها في نفوس الناس ، ككل القضايا التي تقع موقع الهزء الاجتماعي الذي يتقنه الطغاة من الكافرين والمستكبرين ، ليحتفظوا بمراكزهم الطبقية ، وبأوضاعهم المنحرفة ، وبعاداتهم السيّئة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يذلّهم ويخزيهم ويسقط كل جوّهم النفسي الاستكباري بالعذاب الذي يذوقون فيه المهانة والسخرية مما أعطوه لأنفسهم من مكانة وعظمة لا يستحقونهما.
(مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) قيل : إن كلمة وراء تطلق على القدّام وعلى الخلف ـ كما ورد في مجمع البيان ـ «فما توارى عنك فهو وراؤك ، خلفك كان أو أمامك» (١) ، وقيل إن التعبير بذلك ، مع أن جهنم أمامهم في ما يستقبلونه من مصيرهم في الآخرة ، لأنهم لما كانوا مستغرقين في شهوات الدنيا ولذائذها معرضين عن الحق ، غافلين عن النتائج السلبية المترتبة على موقفهم السلبي من الرسالة ، فكأنهم جعلوا جهنم وراءهم من موقع الإعراض عن التفكير في تبعات عملهم. (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) فلا قيمة للمال الذي جمعوه ، ولا للجاه الذي حصلوا عليه ، ولا للقوّة المادية التي تحيط بهم ، لأن ذلك لا يعطي أيّة قيمة روحية تقرّب الإنسان إلى الله ، ولا يمنح أصحابه أيّ امتياز ذاتيّ (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) فلا موقع لهؤلاء في ساحة الآخرة ، لأنهم مخلوقون لله ، مربوبون له ، خاضعون في ذواتهم لكل نقاط الضعف البشري وللإمكانات المحدودة التي يملكونها من الله ، فلا يغنون عن أنفسهم شيئا في ما كانوا
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٩ ، ص : ١١٠.