بابتعاده عن أجواء التحدي العام ، حتى في أشدّ الحالات التي يواجهها ضدهم ، فنحن لم نلمح ـ في نهاية المطاف ـ في أسلوبه أي إعلان عن انتمائه إلى موسى ، بل بقي على طريقته التي بدأها ، من اعتبار نفسه إنسانا يحكم للحق ، انطلاقا من دراسته للموقف وقناعته به ، لا من موقع انتسابه إلى أحد أطراف النزاع.
٤ ـ الإبقاء على الأسلوب الوعظي الذي يرتكز على التخويف من الله ، ومن نتائج الحساب في الآخرة ، حتى مع المتكبرين والمتجبرين والطغاة ، في مواجهة لتحديهم الناس بما يملكون من قوة بتحدّ أكبر منه يطرح قوّة الله في المقابل باعتبارها القوّة التي لا تقاوم ، ثم محاولة إحداث الفجوة بينهم وبين الناس ، عبر ربط قضية الحق والباطل بالخوف من المصير ، مما يخلق لدى الناس شعورا بضرورة الابتعاد عن مواطن الخطر مهما كانت.
٥ ـ التركيز على إيضاح الخط الفاصل بين الدعوة إلى الله ، وبين الدعوة إلى غيره ، بإبراز الخصائص التي تتميز به كلٌّ من الدعوتين ، وإظهار الطابع الأصيل لكل منهما ، والتركيز على النتائج العملية التي تترتب على اختيار طريق الإيمان بالله في سلامة المصير ، بينما يؤدّي السير في الطريق المعاكس إلى نتائج خطرة على الدنيا والآخرة ، كما لاحظنا ذلك في أسلوب هذا المؤمن في الدعوة ، حيث ختم حديثه مع فرعون بالتركيز على طبيعة دعوته التي تنتهي إلى النار.
ولا بد لهذا الأسلوب من مواجهة المؤثّرات الفكرية والاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية ، التي تساهم في توجيه الرأي العام ، وتعطي لبعض التيارات والأفكار المطروحة ، ثقة اجتماعيّة أو رفضا اجتماعيّا ، لأن تلك المؤثرات قد تضلّل الرأي العام وتنحرف به عن وضوح الرؤية ، فتلبس الباطل لبوس الحق ، أو تمنح الحق ثياب الباطل ، كما نلاحظه في بعض التيارات السياسية والاقتصادية التي توجّه التفكير إلى بعض العوامل الحيويّة التي تحرك