المجتمع ، نتيجة المشاكل الكبيرة المطروحة من خلالها ، فتوحي لنا بأن تلك العوامل هي كل شيء ، مما يؤدي إلى عزل بقية العوامل المؤثرة على الحياة بحيث تبدو عوامل لا ترتبط بقضايا المصير ، لأن المصير أصبح شأنا دنيويّا لا علاقة له بالآخرة ، أو بالإيمان بالله من قريب أو بعيد.
٦ ـ إن ظاهرة مؤمن آل فرعون ، تؤكّد الفكرة الإسلامية التي ترفض اعتبار البيئة عاملا حاسما يشلّ عنصر الاختيار والإرادة في الإنسان لجهة ما يتخذه من مواقف وما يقوم به من أعمال ، ليكون ذلك مبرّرا شرعيّا للانحراف من جهة ، ودليلا على الاتجاه الجبري الفلسفيّ الذي ينكر على الإنسان حريته من موقع البيئة التي تسيطر على تفكيره وتوجّه إرادته في اتجاه محدد منحرف أو مستقيم.
إن وجود مثل هذا الإنسان الذي يولد في مجتمع الشرّ ، ووجود امرأة فرعون التي تعيش تحت ضغط هذا المجتمع ، يؤكّد الفكرة التي تعتبر جوّ الشرّ عنصرا يشجع الشرّ ، ويضعف مقاومة الإنسان ضده ، ولكنه لا يلغي المقاومة ، بل يبقي للإنسان مجال التعبير عن إرادته في ظل الظروف الصعبة ، ويسمح للإنسان بتجربة الانتصار. ونجد في المقابل ، الإنسان الذي يولد في مجتمع الخير ، أو يعيش فيه ، كابن نوح وامرأته ، وامرأة لوط ، وغيرهم من الأشخاص الذين لم تمنعهم أجواء الخير التي عاشوا فيها ، من أن ينحرفوا بسبب مؤثرات الانحراف التي استجابوا لها.
إن البيئة ـ في الأساس ـ لا تضع أمام الإنسان حاجزا مستحيل الاختراق بينه وبين الخروج عن إرادة مجتمعة وسلوكه ، بل تضع أمامه عقبات وصعوبات يمكن للإنسان اختراقها بقوّة الفكر والإرادة ـ لو شاء ذلك ـ بعد جهد طويل.
وهذا ما يبعث في نفوس العاملين إرادة الانتصار على عوامل البيئة الشرّيرة وضغوطها ، ويمكنهم من دفع الإنسان بعيدا عن أفكار البيئة وأخلاقها وسلوكها العملي ، من أجل دفع عملية تغيير المجتمع إلى الأمام بقوّة.
* * *