ثلاثة : فناء الجسم في جهة معيّنة من جهاته ، ومقدار ذو طول وعرض فقط ، وإضافة تعرض للفناء ، فيقال له بحسب ذلك : نهاية لجسم ذي نهاية ، فالمقدار موجود وبسببه يقبل الإشارة ، والفناء ليس بعدم محض ، بل عدم أحد أبعاد الجسم وهو تخنه ، والإضافة عارضة لها متأخّرة عنها. وربّما يعتبر السطح وحده من حيث هو مقدار ، وذلك موضوع لعلم الهندسة ، وكذلك الخط والنقطة. ولا يلزم من حلول السطح في الجسم انقسامه في الجهات الثلاث كانقسام الجسم ، لأنّ ذلك يكون حكم العرض الساري في محلّه ، وليس السطح ، ولا الخط ، ولا النقطة من الأعراض السارية في محالها ، وكذلك الوحدة والوضع ، وغير ذلك ممّا لا ينقسم بانقسام المحل.
واحتج المثبتون من الأوائل بوجهين (١) :
الأوّل : نجد الأجسام متماسّة ، وليست المماسة بتمام ذواتها ، وإلّا لزم التداخل ، بل بسطوحها ، وما به التماس أمر وجودي بالضرورة.
الثاني : الجسم المتصل إذا قطع حدث له سطح بعد أن لم يكن ، فيكون وجوديا.
واعلم : أنّ هذا إنّما يتم لو قلنا بنفي الجوهر الفرد ، أمّا على تقدير ثبوته فلا. على أنّ في كلامهم نظرا ، فإنّ لقائل أن يمنع وجود شيء تحصل به المماسة ، فإنّ التماس والالتصاق والاتصال كالألفاظ المترادفة الدالة على المعنى المفهوم منها ، وهو الملاقاة بحيث لا يتخللهما ثالث. وكيف يستقل السطح بالملاقاة من دون قيامه منفردا بنفسه عن محلّه ، ونمنع كون كل متجدّد وجوديا ، فإنّ العمى يحدث بعد أن لم يكن ، وليس ثبوتيا.
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٣٢٢.