وأمّا أنّ طبائع الألوان هل هي متناهية أو غير متناهية؟ فذلك مشكوك فيه. وقد اختلف المتكلمون ، فذهب بعضهم إلى أنّها غير متناهية لو وجدت كالألوان ، وآخرون إلى أنّها متناهية كالمزيد عليه. وكلاهما ضعيفان.
المسألة الرابعة : في سبب شدة اللون وضعفه (١)
ذكر القدماء له ثلاثة أسباب ، واحد منها متفق عليه ، واثنان مختلف فيهما.
أمّا المتفق عليه فهو اختلاط الأجزاء السود بالأجزاء البيض اختلاطا لا يتميز في الحس بعضها عن بعض ، فترى هذا الأبيض أقل ابيضاضا من الأبيض الذي لا يكون كذلك. ولمّا كانت مراتب هذا الاختلاط كثيرة كانت مراتب قوّة البياض وضعفه كثيرة.
وبعض الناس جوّز أن يجتمع السواد والبياض في جسم واحد فتدرك على هيئة الغبرة ، وهو باطل ؛ لأنّ السواد والبياض بعد اجتماعهما إن بقى كلّ منهما على صرافته كان الجسم يدرك فيه غاية البياض وغاية السواد ، وهو محال. وإن لم يبق واحد منهما على صرافته لا يكون واحد منهما موجودا ، بل الموجود لون متوسط ، وذلك غير اجتماع السواد والبياض.
وأمّا الوجهان اللّذان وقع فيهما الخلاف :
فالأوّل : إذا اجتمع في المحل الواحد بياضات كثيرة ، وذلك ممّا اتفقت الفلاسفة على استحالته ، لامتناع اجتماع الأمثال عندهم.
والثاني : البياض الضعيف نوع آخر مخالف للبياض الشديد ، وأنّ الألوان المختلفة بالشدّة والضعف مختلفة بالنوع. وهو أقرب الوجوه ، وهو قول محقّقي
__________________
(١) راجع كشف المراد : ٢١٩.