البحث السادس : في جواز بقاء الأعراض
اختلف الناس في ذلك (١) ، فالذي عليه الإمامية وكافة المعتزلة (٢) والأوائل (٣) جواز البقاء عليها ، وأنّ العلم به بديهي عند الأكثر منهم (٤). وبعضهم ذهب إلى أنّه كسبي. ومنعت الأشاعرة من ذلك (٥).
احتج الأولون على كونه بديهيا : بأنّ العلم البديهي هو الذي لا يفتقر إلى طلب وكسب ، وإن استند إلى الحس وكما نعلم بالضرورة أنّ الشخص الذي شاهدناه طول أعمارنا هو الشخص الذي شاهدناه الآن ، كذا نعلم بالضرورة أنّ السواد الذي شاهدناه طول أعمارنا في جسم معين هو الذي شاهدناه الآن فيه. ولو أخذ العقل يشك في أنّ كلّ آن يجب تجدّد عرض (٦) مساو للأوّل ، ويعدم الأوّل ، لشك في أنّ كل شخص من أشخاص البشر يعدم ويوجد الله تعالى غيره مساويا (٧) له في جميع الصفات بحيث يحكم العقل بواسطة المساواة عند الحس
__________________
(١) لاحظ الآراء والاختلاف فيها في مقالات الإسلاميين : ٣٥٨ ـ ٣٦١.
(٢) بل المعتزلة اختلفت في هذه المسألة ، والشاهد عليه اختلاف أقوالهم فيها الواردة في كتبهم وكتب الملل والنحل.
(٣) والكراميّة ، راجع أصول الدين للبغدادي : ٥٠.
(٤) وادعى أبو الحسين [البصري] الضرورة في بقاء بعض الأعراض ، أنوار الملكوت : ٢٦.
(٥) ووافقهم «النظام» و «الكعبي» من قدماء المعتزلة ، قال الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين ٣٥٨ : وقال قائلون : إنّه لا عرض إلّا الحركات وأنّه لا يجوز أن تبقى ، والقائل بهذا «النظّام» وقال البغدادي : فأحاله من أصحابنا الكعبي ، أصول الدين : ٥٠ وقال الرازي : الحق عندي : أنّ الأعراض يجوز البقاء عليها. أصول الدين : ٣٧.
(٦) م : «يتجدد عرضا».
(٧) في جميع النسخ : «مساو» ، أصلحناها طبقا للسياق.