فيتركب من الكيفية الطعمية ومن التأثير اللمسي شيء واحد لا يتميز في الحس ، فيصير ذلك الواحد كطعم واحد متميز ، فإنّه يشبه أن يكون طعم من الطعوم المتوسطة بين الأطراف يصحبه تفريق وإسخان يسمى ذلك كلّه حرافة ، وآخر يصحبه طعم وتفريق من غير إسخان وهو الحموضة ، وآخر يصحبه مع الطعم تكثيف وتجفيف ، وهو العفوصة. ولا شك أنّ الحرافة تفعل تفريقا والعفوصة قبضا ، فالمدرك بحس الذوق كلّه طعم أو شيء مركب من الطعم ومن تفريق الحاسة؟ فيه احتمال.
قال أفضل المحققين في حصر الطعوم في التسعة : إنّ العفوصة والقبض مختلفان بالشدة والضعف ، وهما لا يوجبان الاختلاف النوعي ، إذ لو أوجب الشدة والضعف الاختلاف نوعا ، لكان كلّ واحد من هذه الأنواع نوعين (١) ، بل الطعوم فيها اختلافات كثيرة كما بين حلاوة العسل وحلاوة السكر وحلاوة الدبس وغيرها. وأيضا المركبات لا حدّ لها (٢).
المسألة الثالثة : في الروائح (٣)
وهي كيفيات محسوسة بحاسة الشم ، لم يوضع لأنواعها أسماء لخصوصياتها ، بل وضعوا لها من طريق الموافقة والمخالفة ، بأن يقال : رائحة طيبة أو منتنة ، وهذا كما يقال في الطعم إنّه طيب أو غير طيب ، من غير تصور فصل يخص الطيب من غيره. أو من طريق الاشتقاق ، بأن يشتق لها من الطعوم المقاربة لها أسماء فيقال : رائحة حلوة ورائحة حامضة ، كأنّ تلك الروائح التي اعتيد
__________________
(١) س : «لكل واحد من هذه الأنواع نوعان».
(٢) نقد المحصل : ١٤٤.
(٣) قارن كتاب النفس لأرسطو طاليس : ٧٦ ؛ المعتبر لأبي البركات ٢ : ٣٣٩ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٢٨٨.