استبدلا سطوحا بعد سطوح على التعاقب ، والسكون هو حصول الجسم في مكان واحد أزيد من زمان واحد ، أو عدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرك ، مع أنّ الحركة تستلزم تعاقب الأمكنة على التساوي ، فلمّا كان هذا الجسم ساكنا ، وكلّ ساكن فإنّه يحفظ مكانا واحدا(١) ، وهذا لا يحفظ سطحا واحدا ، جزم العقل بالمغايرة بين المكان والسطح.
وعلى د : إنّ المكان من شأنه أن لا يتحرك بذاته ، لا أنّه لا يتحرك مطلقا ، فإنّ عدم حركته بالعرض غير مشهور ولا مسلّم ، كيف والمشهور بين الناس أنّ الجرّة مكان للماء وأنّها تتحرك؟!
وفيه نظر ، فإنّه من المشهور أنّ المكان لا يتحرك ، لا بالذات ولا بالعرض ، وإلّا وجب أن يكون له مكان ، لأنّ كلّ متحرك سواء كان بالذات أو بالعرض فله مكان ، والجرة ليست مكانا اتفاقا ، بل إمّا البعد الذي احتوت عليه ، أو السطح الباطن منها ، لكنّ السطح منتقل بانتقالها بخلاف البعد ، فكان جعله في المشهور مكانا أولى من جعل السطح.
وعلى ه : بأنّ الأمور المبنيّة على العرف والعادات ، لا يصحّ التعويل عليها في العقليات ، مع أنّ الناس لا يمتنعون من أن يقولوا : إنّ البسيط الذي هو داخل الجرة مملوء وفارغ.
وفيه نظر ، لأنّ احتياج الجسم إلى المكان أمر حاصل عند فطرة العقل (٢) ، ولا شكّ في أنّ العقل يقسّم المكان إلى حالتي الخلو والامتلاء ويجزم به جزما ضروريا ، فليس مستندا إلى عرف أو عادة يمكن تغييرهما ولا يكون لهما
__________________
(١) ق وج : + «وهذا لا يحفظ مكانا واحدا» ، ولعلّه من زيادة الناسخ.
(٢) قال صدر المتألهين : «ثم من أمعن النظر في حال كل جسم طبيعي يجد أنّ في جبلته طلب المكان والمحافظة عليه» ، الأسفار ٤ : ٤٨.