وفيه نظر ، لأنّهم يمنعون من اقتضاء الطبيعة الواحدة أمرين متنافيين ، ولا شك عندهم في اقتضاء طبيعة الفلك الكريّة ، فلو اقتضت شكلا مغايرا له لزم المحال عندهم ، وإن استند الشكل الثاني إلى صورة أخرى كمالية لحقت به في الفطرة الأولى على ما قال ، لزم كون الفلك مركبا من قوى وطبائع (١) مختلفة فلا يكون بسيطا.
وعن الرابع : أنّ شكل الحيوان يستند إلى القادر المختار ، ولا يجوز اسناده إلى القوّة المصوّرة التي لا شعور لها البتة ، فكيف يحكم عاقل بصدور هذه الخلقة العجيبة والهيئة الغريبة عن قوة جسمانية لا تعقّل لها البتة.
قال أفضل المحققين ، القوة المصوّرة على تقدير بساطتها وتركّب محلّها ، وعلى تقدير تركّبها وتعلّق أجزائها بأجزاء المحل ، لا تقتضي كون الحيوان مجموع كرات ؛ لأنّ حكم الشيء حال الانفراد لا يكون حكمه حال التركيب مع الغير. ونحن إنّما ادّعينا أنّ القوة الواحدة في المحل المتشابه تفعل فعلا متشابها ، ولم يلزم من ذلك أنّها تفعل في أجزاء المحل المختلف فعلها في المحلّ المتشابه ، لأنّ المنفعل منها ليست هي الأجزاء أفرادا ، بل المركب الذي هو المحل ، وكذلك لم يلزم أنّ القوة المركبة تفعل فعل بسائطها ، لأنّ المجموع فاعل واحد كثير الآثار بحسب البسائط التي هي كآلات لها ، ليس عدّة فاعلين متشابهي الأفعال (٢).
وفيه نظر ، فإنّ القوة البسيطة إذا حلّت محلّا مركّبا كلّ واحد من أجزائه يفعل ما يفعله الآخر ، لم يحصل هناك ما يقتضي خلاف ما اقتضته الأجزاء من القبول ، ولا خلاف ما اقتضته القوة البسيطة.
__________________
(١) في النسخ : «فطبائع» ، أصلحناها طبقا للمعنى.
(٢) المصدر السابق : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.