والجواب عن الأوّل : أنّ القسمة للوجود إلى الوجود والعدم باطلة ، كما أنّ قولنا : الإنسان إمّا إنسان أو فرس أو غيرهما ، باطل.
سلّمنا ، لكنّ الوجود موجود بذاته ، ثمّ التسلسل إنّما يلزم لو كان الاشتراك في وصف ثبوتي ، والاختلاف في أمر ثبوتي ، وهنا ليس كذلك ، فإنّ الوجود يشارك الماهية الموجودة في الموجوديّة (١) ، ويخالفها بقيد عدمي ، وهو أنّ الوجود وحده وإن كان موجودا ، لكن ليس معه شيء آخر ، والماهية الموجودة وإن كانت موجودة لكن لها مع مسمّى الموجودية أمر آخر هو الماهية ، وحينئذ لا يلزم أن يكون الوجود موجودا بوجود آخر ، بل موجوديته عين ماهيته ، فينقطع التسلسل.
قال النفاة : حاصل أدلّة المثبتين يرجع إلى أنّ الحقائق مختلفة بخصوصيّاتها ومشتركة في عموماتها ، وما به الاشتراك غير ما به الاختلاف ، وذلك ليس بموجود ولا معدوم ، فتثبت الواسطة ، ويلزم منه التسلسل : فإنّ الأحوال قد اشتركت في عموم الحالية واختلفت بخصوصياتها ، فيلزم أن تكون للحال حال أخرى إلى غير النهاية.
وأجاب المثبتون : بأنّ الحال لا يوصف بالتماثل والاختلاف ، لأنّ التماثل والاختلاف من لواحق الوجود ، والحال ليست موجودة ، وبالتزام التسلسل كما اختاره «الأصم» (٢) لأنّها طبيعة عدمية ليست موجودة ، والتسلسل في الأمور العدمية ليس بمحال.
أجاب النفاة عن الأوّل : بأنّ كلّ أمرين يشير العقل إليهما ، فإمّا أن يكون المتصوّر من أحدهما هو المتصوّر من الآخر أو لا. والأوّل : المثلان. والثاني : المختلفان ، ولا واسطة بينهما.
__________________
(١) في النسخ : «الوجودية» والصحيح ما أثبتناه طبقا للسياق.
(٢) أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم ، فقيه معتزلي مفسّر. طبقات المعتزلة : ٥٦ ؛ لسان الميزان ٣ : ٤٢٧.