حال هو المدرك من حال آخر؟ فإنّ كلّ حال مدرك مع شيء آخر ، والمشترك ليس بمدرك بالانفراد ، حتى يحكم عليه بأنّ المدرك من أحدهما هو المدرك من الآخر أو ليس ، وأنتم قلتم كلّ أمرين يشير العقل إليهما ، فإمّا أن يكون المتصوّر منهما واحدا أو لا يكون ، والحال ليس بأمر يشير العقل إليه إشارة لا تكون إلى غيره معه (١).
والجواب عن الثاني : أنّ جهتي الاشتراك والامتياز وجوديتان (٢) ، ولا يلزم قيام العرض بالعرض ، فإنّ الصفات المشتركة إن كانت ثبوتية وكانت داخلة في مفهومات ما يشترك في تلك الصفات ، كاللون المشترك بين السواد والبياض ، وهو جزء من مفهوم السوادية والبياضية ، لم يكن عرضا قائما بعرض قائم بالمركب ، فانّ الجزء ليس بعرض قائم بالمركب منه ومن غيره ، فلا يلزم من اتّصاف المختلفات به قيام العرض بالعرض. وإن لم تكن داخلة ، كالعرض الذي يوصف به السواد والحركة ، وهو عارض لهما غير داخل في مفهومهما وعروض الشيء للشيء لا يكون قيام عرض بعرض ، ولا يلزم من كون صفة مشتركة عارضة لمختلفين قيامها بهما إلّا بدليل منفصل.
وإن كانت سلبيّة (٣) فهي غير ثابتة ولا يلزم من الاتصاف بها قيام عرض بعرض.
سلّمنا ، لكن قيام العرض بمثله جائز ، فإنّ السرعة والبطء كيفيّتان قائمتان بالحركة ، والتزامه أقرب من التزام هذا المحال.
وللأوائل (٤) طريق آخر ، وهو أنّ الأجناس والفصول التي بها تتقوّم الأنواع
__________________
(١) انتهى كلامه ، زيد في علو مقامه ، نقد المحصل : ٨٩ ـ ٩٠.
(٢) من هنا تنفرد نسخة ق وج إلى صفحة ٩٤ قوله (والحق لنا وجوه) ، فهذه الصفحات غير موجودة في نسخة : م.
(٣) أي وإن كانت الصفات المشتركة سلبيّة ، وهي عدل قول المصنف : «فإنّ الصفات المشتركة إن كانت ثبوتية».
(٤) مراد المصنف من «الأوائل» في هذا الكتاب هو الحكماء والفلاسفة ، فليكن في ذكرك.