أنّ الذوات بأسرها متساوية ، ومختلفة بهذه الأحوال. واختلفوا في أمر الوجود ، فالقائلون بالأحوال من الأشاعرة ذهبوا إلى أنّه نفس الذات. وقالت المعتزلة : إنّه زائد عليها. والقول بتساوي الذوات باطل سواء قلنا الوجود نفس الذات أو زائد عليها لأنّ الأشياء المتساوية تشترك في اللوازم ، فيصح انقلاب القديم محدثا والجوهر عرضا ، وبالعكس ، وهو باطل بالضرورة. ولأنّ اختصاص الذات المعينة بالصفة المخصوصة إن لم يكن لأمر ، يرجّح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح (١) ، وإن كان لأمر نقلنا الكلام إليه ولزم التسلسل. أمّا إذا جعلنا ما به الاشتراك صفة وما به الامتياز ذاتا ، اندفعت هذه المحاذير ، لجواز اشتراك الأشياء المختلفة في لازم واحد ، ولا يجوز اختلاف المتساويات في اللوازم.
اعترض أفضل المحقّقين :
أوّلا : بأنّ الحيوانية المشتركة بين الإنسان والفرس ، يرد عليها ما قلت من صحّة انقلاب الإنسان فرسا وبالعكس.
وثانيا : بأنّه لازم على الأجناس والفصول ، بل في الأشخاص التي تحت نوع واحد ، فإنّك إن جعلت الفصول والمشخّصات ذواتا والحيوان والإنسان لوازم ، لم تكن الحيوانية والإنسانية جزءا للماهيّة ولا نفسها ، فإنّ اللوازم إنّما تلزم بعد تقوّم الملزومات (٢).
وفيه نظر ؛ فإن الحيوانية لازمة والفصول ملزومة ، فلا يلزم إمكان الانقلاب. ولهذا قالوا : «إنّ الفصول علل الطبيعة الجنسيّة» والحيوان إذا جعلناه لازما للناطق لم يناف كونه جزءا من الإنسان ، وأشخاص النوع الواحد تختلف بعوارض مستندة إلى أسبابها.
__________________
(١) وهو محال.
(٢) نقد المحصل : ٩١ ـ ٩٢.