بل انّ تكرار هذا الخطر وتلك الفاجعة في الحضارة الإسلامية أخطر من غيرها ، وذلك باعتبار أنّ الرسالة الإسلامية هي خاتمة الرسالات ، وهي الرسالة الخالدة التي تسير مع الإنسان وترسم له طريقه إلى يوم القيامة ، ولا شكّ أنّ الأجيال القادمة انّما تتبع هذه الرسالة ، وتنهل من نميرها العذب إذا كانت تلك الأجيال على يقين من أحقية تلك الرسالة وعلى علم بواقعيتها وأصالتها ، وممّا لا ريب فيه أنّ أحد العوامل الفاعلة والمهمة في ثبوت «قطعية» الرسالة وأصالتها ، وتحكيم جذورها التاريخية ، تكمن في الحفاظ على الآثار المتعلّقة بتاريخ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وجهاده وقيادته وحركته في المجتمع.
فصيانة هذه الآثار على وجه الإطلاق تضفي على الشريعة في نظر غير معتنقيها واقعية وحقيقة ، وتزيل عن وجهها أيّ ريب أو شك في صحّة البعثة والدعوة ، وجهاد الأُمّة ونضال المؤمنين.
ولقد بذل علماؤنا وسلفنا الصالح رحمهمُ الله جهوداً جبارة ومساعي مشكورة في مجال الحفاظ على ذلك التراث المهم ، وأوصلوا الأمانة سالمة إلى الأجيال اللاحقة ، وبذلك قدّموا خدمات عظيمة للأجيال من خلال ذلك العمل الرائع المتمثّل في صيانة الآثار وحفظها ، ممّا كان له أثره الفاعل في النظر إلى الدين الإسلامي نظرة واقعية ، وإلى الشخصيات الإسلامية نظرة قطعية لا ريب ولا تردّد فيها أبداً.
من هنا يستطيع المسلمون أن يتحدّثوا عن دينهم ويدعو الناس إليه بقوّة واطمئنان تامّين ، فهم يواجهون العالم مرفوعي الرأس ويقولون : أيّها الناس لقد بعث رجل في أرض الحجاز قبل ١٤٠٠ سنة لقيادة المجتمع البشري ، وقد حقّق نجاحاً باهراً في مهمته التي استمرت ٢٣ عاماً موزّعة على مرحلتين : ١٣ عاماً منها في مكة ، وعشرة منها في المدينة ، وهذه آثار حياته محفوظة تماماً في مكة والمدينة ،