ولو أخذنا بالتفسير الذي يرومه الوهابيّون من حديث أبي الهياج من مساواة القبر بالأرض يجب أن يكون القبر لاطئاً مساوياً معه.
٢. لو افترضنا صحّة حديث أبي الهياج سنداً ودلالة ، فغاية ما يدلّ عليه هو تخريب القبر ومساواته بالأرض ، ولا يدلّ على هدم البناء الواقع عليه ، فتخريب القباب المشيّدة التي هي مظاهر الودّ لأصحابها استناداً إلى هذا الحديث ، عجيب جدّاً.
٣. إنّ الصحابة دفنوا النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيته من أوّل يوم ، وقد وصّى الخليفتان بأن يُدفنا تحت البناء جنب النبيّ الأكرم تبرّكاً بالقبر وصاحبه ، فلو كان البناء على القبور أمراً محرّماً ومن مظاهر الشرك ؛ فلما ذا وارت الصحابة جثمانه الطاهر صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت البناء؟! ولما ذا أوصى الخليفتان بالدفن تحته؟!
ولمّا واجهت الوهابية عمل الصحابة في مواراة النبيّ قامت بالتفريق وقالت : إنّ الحرام هو البناء على القبر لا الدفن تحت البناء ، وقد دفنوا النبيّ تحت البناء ولم يبنوا على قبره شيئاً. (١)
ونترك هذا الجواب بلا تعليق ، إذ هو في غاية السقوط ، إذ أيّ فرق بين الأمرين؟! فإنّ البناء على القبر مَدْعاة للإقبال إليه والتضرع إليه ، ففيه فتح لباب الشرك ـ حسب قولهم ـ وتوسّل إليه بأقرب وسيلة .... (٢)
فإذا كان البناء على وجه الإطلاق ذريعة للشرك وتوجّهاً إلى المخلوق ، فلما ذا يُرخّص في بعض صوره ويُحرّم بعضها الآخر؟! وما هذا إلّا لأنّ الوهابية وإن كانوا ينسبون أنفسهم إلى السلفية ، إلّا أنّ السلفية بعيدون عنهم بُعد المشرقين.
__________________
(١) رياض الجنّة ، لعقيل بن الهادي.
(٢) محاسن التأويل : ٧ / ٣٠.