ولقد أشار الكاتب المصري أحمد أمين في ضمن حديثه عن الوهابية إلى حقيقة الفكر الوهابي في ذلك الوقت ، وأنّ ما يرى منهم الآن يختلف اختلافاً جوهرياً عمّا كانوا عليه في تلك الحقبة ، حيث قال :
إنّهم ـ أي الوهابية ـ لم يمسّوا الحياة العقلية ، ولم يعملوا على ترقيتها إلّا في دائرة التعليم الديني ، ولم ينظروا إلى مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها ، وكان كثير منهم يرون أنّ ما عدا قطرهم من الأقطار الإسلامية التي تنتشر فيها البدع ـ حسب اعتقادهم ـ ليست ممالك إسلامية ، وأنّ دارهم دار جهاد ، فلمّا تولّت حكومة ابن سعود الحاضرة كان لا بدّ أن تواجه هذه الظروف وتقف أمام منطق الحوادث ، ورأت نفسها أمام قوتين قويتين لا مَعْدى (أي لا بدّ) لها عن مسايرتهما :
قوّة رجال الدين في نجد المتمسّكين أشدّ التمسّك بتعاليم ابن عبد الوهاب والمتشدّدين أمام كلّ جديد ، فكانوا يَرَون أنّ التلغراف السلكي واللاسلكي والسيارات والعجلات من البدع التي لا يرضى عنها الدين.
وقوّة التيار المدني الذي يتطلّب نظام الحكم فيه كثيراً من وسائل المدنية الحديثة ، كما يتطلّب المصانعة والمداراة ، فاختطّت لنفسها طريقاً وسطاً شاقّاً بين القوّتين. فقد عدلت نظرها إلى الأقطار الإسلامية الأُخرى وعدتهم مسلمين ، وبدأت تنشر التعليم الديني وتنظم الإدارة الحكومية على شيء من النمط الحديث ... وما أشقه عملاً ، التوفيق بين علماء نجد ومقتضيات الزمن ، وبين طبائع البادية ومطالب الحضارة.
ومن حسن (١) الحظ أنّ الحكام السعوديين هم أنفسهم ضاقوا ذرعاً بالكثير
__________________
(١) زعماء الإصلاح في العصر الحديث : ٢٠ ـ ٢١.