الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ؛ فقال لهم :
أفلا تعطونني منها صنماً ، فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنماً يقال له هبل ، فقدم به مكة فنصبه ، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. (١)
إذاً استمطار المطر من هذه الأوثان والاستعانة بها يكشف عن أنّ بعض المشركين كانوا يعتقدون بأنّ لهذه الأوثان دخلاً في تدبير شئون الكون وحياة الإنسان.
٢. قد يتصوّر البعض أنّ نظرية المشركين في حقّ آلهتهم لا تتعدى القول بأنّهم يملكون مقام الشفاعة المقبولة لدى الله سبحانه وتعالى.
ولكن الإمعان في آيات الذكر الحكيم يوضح لنا وبجلاء وهن هذا التصوّر وبطلان هذا الرأي ، فإنّ آيات الذكر الحكيم ـ والتي ذكرنا بعضها ـ تصرّح بأنّ المشركين كانوا يعتقدون لآلهتهم أكثر من مقام الشفاعة ، حيث كانوا يؤمنون بأنّ : العزة والذلّة ، النصر والهزيمة ، الشفاعة والمغفرة ، كلّ ذلك بيد آلهتهم المزعومة ، وكأنّ آلهتهم قد هيمنت على المقام الربوبي وأخذت على عاتقها القيام ببعض الأفعال التي هي من خصائص ، الشأن الإلهي.
ثمّ إنّ الاعتقاد بمقام الشفاعة المقبولة للأصنام والأوثان لدى الله سبحانه وتعالى ، وإن كان اعتقاداً باطلاً ، مع هذا لا يمكن أن يُعدّ مائزاً خاصاً لجعلهم أنداداً ونظراء ومتكافئين مع الله سبحانه ، ومن هنا نجد حالة الحسرة والخيبة بادية على وجوه المشركين مظهرين الندامة على ما اقترفوه من الخطأ في الاعتقاد وحيث تصرّح الآية المباركة بندمهم هذا فتقول : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)
__________________
(١) سيرة ابن هشام : ١ / ٧٦ ـ ٧٧.