وهذا واضح بأنّهم كانوا على اعتقاد بأنّ آلهتهم الباطلة تساوي الإله الحقيقي لا أنّهم يعتقدون بمجرّد مقام الشفاعة المقبولة لهم فقط.
٣. انّ هدف المشركين في عبادتهم للأوثان ، نابع من اعتقادهم القلبي وإيمانهم بأنّ آلهتهم لها مقامات خاصة تتمكن من خلالها من إدارة العالم وتدبير شئونه و ... ، ومن هذا المنطلق وبناءً على هذا الاعتقاد عبدوهم وخضعوا لهم باعتبارهم «آلهة» و «أرباب» و «يملكون مقام الشفاعة والهداية و ...».
٤. مع الالتفات إلى الأُمور السابقة يمكن أن نعرّف العبادة تعريفاً دقيقاً فنقول : العبادة عبارة عن الخضوع الصادر لمن يتّخذه الخاضع إلهاً ، ولقد أجاد المرحوم الشيخ جواد البلاغي حينما عرفها بقوله : العبادة ما يرونه مشعراً بالخضوع لمن يتّخذه الخاضع إلهاً ، ليوفيه بذلك ما يراه له من حقّ الامتياز بالألوهيّة. (١) سواء كانت هذه الألوهية حقّة كما في اعتقاد الموحّدين ، أو كانت باطلة كما في اعتقاد المشركين.
٥. إذا عرفنا أنّ مقوّم العبادة عبارة عن اعتقاد السائل والخاضع والداعي أو المنادي بأنّ المسئول والمخضوع له «إله» و «ربّ» يملك شيئاً ممّا يرجع إليه في عاجله أو آجله ، في مسيره ومصيره ، وإنّه يقوم بذلك لكونه خالقاً أو مفوضاً إليه من قبل الخالق ، فيقوم على وجه الاستقلال والأصالة ، نستطيع أن نقضي في الأعمال التي يقوم بها أتباع الأنبياء ومحبّوهم ، بأنّها ليست عبادة أبداً ، وإنّما هي من مصاديق التكريم والاحترام ، وإن بلغت نهاية التذلّل ، لأنّها لا تنطلق من اعتقاد الخاضع بألوهية النبي ، ولا ربوبيته ، بل تنطلق من الاعتقاد بكونهم عباد الله
__________________
(١) آلاء الرحمن : ٥٧.