الثاني : أنّ الأجسام لا تخلو منها ، هو ظاهر أيضا ، فإنّ الجسم لا يعقل منفكّا عن الحيّز ، وحينئذ لا يخلو من أن يكون لابثا وهو الساكن أو غير لابث وهو المتحرّك.
الثالث : إنّ هذه الأمور حادثة بأشخاصها ونوعها ومجموعها ، أمّا أشخاصها فظاهر ، لتبدّل بعضها ببعض ، ولأنّها ممكنة ، لافتقارها إلى موضوعها ، وكلّ ممكن حادث ، لما تقدم. وأمّا نوعها ، فلأنّ النوع لا يوجد إلّا في ضمن أشخاصه ، فهو مفتقر إليها ، وقد دللنا على حدوث الأشخاص ، والمفتقر إلى الحادث (١) أولى بالحدوث وأمّا مجموعها ، فلبرهان التطبيق فإنّا نأخذ جملة من الحركات من زماننا إلى الأزل وجملة أخرى من الطوفان إلى الأزل ، ونطبّق بينهما ، فإن تساويا فباطل ، وإلّا لزم مساواة الزائد الناقص ، وإن لم يتساويا زادت التامّة على الناقصة بمقدار ما نقصناه ، وهو متناه ، فتتناهى الجملتان ، لأنّ الزائد على المتناهي بمقدار متناه متناه.
وأمّا الكبرى ، فلأنّ كلّ ما لا يخلو من الحوادث لو لم يكن حادثا لكان قديما ، لعدم الواسطة فإن كان معه شيء من الحوادث المذكورة اجتمع النقيضان ، وإن لم يكن معه شيء لزم خلوّ الجسم منها ، وهو باطل ، لما تقدّم.
الثالث : إنّه لا يجوز أن يكون جسم من الأجسام أزليا (٢) ، لأنّه حينئذ إمّا متحرّك أو
__________________
(١) إلى المحدث ـ خ ل ـ خ : (د).
(٢) غير خفي على القارئ الكريم والباحث الخبير أنّ المتكلّمين من علماء الاسلام وفلاسفة المسلمين أقاموا الدلائل العقلية والنقلية قديما وحديثا على إثبات الحدوث الزماني للعالم بطرق مختلفة ، وكانوا يثبتونه بالبراهين الدقيقة العقلية ، كما نرى أنّ المصنّف (ره) في هذا المقام حذا حذوهم ومشى على طريقتهم في بيان الدلائل العقلية ، ولكن في هذه العصور الأخيرة بعد ما انكشف القانون الثاني في العلم الطبيعي (ترموديناميك) (الحرارة والحركة) فقد سهل بهذا الطريق العلمي ثبوت الحدوث الزماني للعالم واضحا جليّا بحيث لم يبق فيه شكّ ولا ريب ، وبطل القول بأنّ العالم أزلي والمادة أزلية ، وأوّل من كشف الحدوث من هذا الطريق وأثبت حدوث الأجسام المخلوقة بأسرها هو «إسحاق نيوتن» (NOTWENCAASl (وقد أظهر نظره بعد المطالعات الدقيقة العلمية ، وأثبت أنّ العالم ينحدر من النظم والترتيب والانتظام إلى ـ